الثعلب البشري..قصة قصيرة – عبد الرحيم هريوى – خريبكة اليوم -المغرب

عبد الرحيم هريوى هي قصة قصيرة كل أحداثها وشخصياتها من خيال الكاتب رغم ذكر بعض الأمكنة عينها من الواقع المعيش.. لكنها تحاكي حياتنا اليومية لعلاج ما يمكن علاجه من انحرافات وسلوكيات ضارة بالشخص والأسرة والمجتمع يكسبها بني الإنسان من خلال تربيته الغير سوية..!!


لص صغير في بداية مشواره المجهول العواقب.. لقد احترف ما لا يحترفه إلا القليل أو النزر من بني البشر..سرق في أول الأمر لأمه بيضة ثم دجاجة وبعدها نزل نزلة واحدة على خم بكامله..فكر كفرا؛ وجمع دجاج أمه التي زادها قهره على قهر الزمان ، نهار ليلة الخميس في “خيشة من الشمرتل”. هذا النوع من “الخيش” كانت أمهاتنا تستعمله في كل شيء، سواء في تجفيف المنزل أوجمع الحطب والمحافظة على الماء البارد بالخابية، وكذلك المحافظة على الخضر طازجة في وقت الحر، وغياب الثلاجة والكهرباء نفسه، و بعد موعد السوق الأسبوعي حينذاك..نامت أمه البدوية بعدما أغلقت باب الخم جيدا خوفا عن دجاجها من قدوم الثعلب الماكر، عدو الدجاج اللذود القادم من لَعْرَارَمْ، هناك من الجبال الفوسفاطية لِمْرَاحْ لَحْرَشْ، وإحداث مذبحة كبرى وسط سكون ظلام الليل، وعادة لا يزور الثعلب الماكر تلك المساكن المجاورة إلا بعدما يستشعر بأن القوم قد ناموا” في سبع نومات ” حتى إذا ما تصايح الدجاج حينها ليكسرسكون الليل ..ولا من منقذ “ولا مَنْ سَمِعْ ولا مَنْ دِرِي ..والأم المسكينة تحمل هم وغم الدنيا على عاتقها وهي تكابد الفقر والبؤس .. ولا متنفس لها سوى تلك الكتاكيت لما تكبر وتبيع لها في كل مرة بعض الديكة أوكذا من البيض أو الأرانب في سوق الجمعة الأسبوعي، كي تواجه مصاريف البيت و المدرسة لأبنائها الصغار، وشراء بعض الأغراض لها وللبنات اللواتي ما زلن صغيرات ، كل ذلك في غياب الأب العليل الذي أقعده المرض منذ مدة طويلة.. لقد كان يزاول حرفة البناء في وقت من الأوقات بالشعبة وبولانوار وبوجنيبة وخريبكة، وكان في زمانه الأسرة تعيش ” الكفاف والعفاف والغنى عن الناس “وبعد المرض العضال انقلبت الآية ، وتحولت حياة الأمس الهادئة والعادية إلى صراع مرير مع صروف الدهر ، من أجل إيجاد اللقمة القليلة لأسرة بكاملها، تتكون من أكثر من خمسة أفواه ، لا يفهمون في قاموسهم اليومي ما معنى أن لايجدون في الشونة قمحا ولا شعيرا.. ولا خضرا ولا لحما في الثلاجة ولا خبزا في الطبق..لكن الذي هجم على الخم هذه المرة هو ثعلب بشري من فصيلة بني آدم..يرى ويسمع ويتكلم..ويغدر..وعديم الأخلاق ..وليس في قلبه رحمة تذكر .. ولد عاق يعيش الانحراف طولا وعرضا و بكل فصوله التراجيدية ..لا يهمه في هذه الدنيا سوى الحصول على المال وبأي طريقة كانت ، لتهدئة أعصابه، بعد شراء ما يخدر به دماغه. ويعيش خارج وجوده الملموس، وكلما عاد له وعيه، ولإدمانه الشديد على المخدرات بشتى أنواعها لا يفكر إلا في المال من جديد، ليحقق لنفسه ما ترغب فيه.. وكي يرتفع و يهتز وراء السحاب مرة أخرى وهكذا ذواليك..وفي غياب الأب المريض وصراع الأم مع إيجاد اللقمة، كان للولد العاق ما أراد ..لقد ضل سواء السبيل، وانحرف بدرجة 180درجة ودخل خانة اللاعودة. ولا بد له من إتمام مسيرة الشر الطويلة، صحبة رفاق السوء والأشرار..

لقد ألف الزحام والزحمة ووجدها في جيوب الخلق خدمة..وكم من محفظة نقود وجدها خاوية إلا من أوراق تعريف شخصية..وأخرى بلا نقود و بلا هوية..وثالثة بها وصفة دواء لعليل مريض في وسطها مائة درهم باقية..ندم بعدها وثاب بعدما سجن في أكثر من قضية..وقبض عليه متلبسا بسرقة براد وصينية وأجهزة منزلية بجوطية لبريك..حكم عليه بالنفاذ لسنين معدودة في القضية..وأمسى مشهورا بالسرقة والنشل عند من يعرفونه من البشر . وامسى في خانة اللصوص الكبار ، فهو لايشبع ولا يتوقف عن النشل والنصب وترويع الشوارع.. و هو في رحلته الدائمة بين مغادر ووافد جديد لأسوار السجن المحلي..هي رحلته التي ألفها ” ولعيادو بالله ” ودعوات أمه عليه بالشر تتبعه..رحلة عجيبة، يشوبها ما يشوبها، بين حرية مؤجلة إلى حين قد تسلب منه في أي وقت لاحق..هي رحلة لا ولن تتوقف أبدا..وهو قاطع المسافة التي تفصله بين برودة أسوار السجن واتساع الشارع الفسيح ونسيم الحرية المعلق على الدوام ..

– أي تربية غامضة تلك التي ساهمت في صناعة مثل هذه الأشكال “الجد حامضة” من بني البشر؟

– ومن يتحمل المسؤولية في صناعة مثل هؤلاء النماذج الضارة لنفسها ولمجتمعها؟

– وكيف يتم إعادة إدماجها بشكل إيجابي في الحياة مستقبلا، وبأي طريقة مثلى تتم معالجتها ومن باستطاعته فعل ذلك؟

– هي أسئلة كثيرة؛ إجابتها قد تشترك فيها اكثر من وزارة وجهة و قطاع متخصص وخبير وذلك في عمل جماعي تشاركي على المديين المتوسط والبعيد، عبر مخطط استراتيجي استعجالي تشتغل عليه هذه الطاقات والخبراء الذين لهم علاقة بدراسة المجتمعات وبنيتها وتطورها سواء من سوسيولوجيين وعلماء النفس وعلماء البيداغوجيا و التربية ورجالات القانون، وحتى لو تطلب الأمر عقد مناظرة وطنية، قد تخرج بتوصيات ملزمة لإعادة إدماج مثل هؤلاء النماذج من بني البشر عبر لقاءات وعلاجات وجلسات وغيرها…!

Share this content:

  • Related Posts

    عن ذاك الإبداع نتكلم..هريوى عبد الرحيم هريوى -خريبكة اليوم – المغرب

    عن ذاك الإبداع نتكلم.. هو ذاك عالم الإبداع بل هي ثقافة الإبداع التي نتسلق أبراجها عبر السنين وتلك الثقافة لا تتساقط كفراشات من الذهب والفضة من السماء على خيال المبدع فيصبح في وقت وجيز من المبدعين ،في أي مجال يتواجد فيه الإنسان بفكره وعقله وأحاسيسه،في الموسيقى كما في السينما والأدب والمسرح والشعر لنضرب مثالا على ما قلناه،قبل أن يرتقي صاحب جائزة…

    Read more

    حريرتنا حريرة ..وحريرة با ميلود في درب بوعزة بن علي بخريبكة ..!! قصة قصيرة عبد الرحيم هريوى خريبكة / المغرب

    بين ثنايا السطورأغسطس 28, 2022  خريبكة / المغربكانت لنا صولات وجولات في زمان الثمانينيات من القرن الماضي مع حريرة با ميلود بدرب بوعزة بن علي، في محاذاة شارع محمد صدقي بخريبكة أي قرب الحركات.. ولقد كنا نتسابق بعفوية واندفاع حماسي على الطبلة الواحدة في انتظار  “الجبانية ” الواحدة لبا ميلود..! لأنه كان قد وضع لنفسه عقدا يربطنا معه وهو عبارة عن…

    Read more

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    You Missed

    نص جدير بالقراءة “زينة الدنيا” للشجاعة التي أبداها الكاتب في الغوص في عتمات و ظلام زمن الأندلس.عبد الرحيم هريوى – خريبكة اليوم – المغرب

    نص جدير بالقراءة “زينة الدنيا” للشجاعة التي أبداها الكاتب في الغوص في عتمات و ظلام زمن الأندلس.عبد الرحيم هريوى – خريبكة اليوم – المغرب

    عن ذاك الإبداع نتكلم..هريوى عبد الرحيم هريوى -خريبكة اليوم – المغرب

    عن ذاك الإبداع نتكلم..هريوى عبد الرحيم هريوى -خريبكة اليوم – المغرب

    إذا ما سبقنا القارئ فكل ما سنكتبه يخرج أصلا ميتا ..عبد الرحيم هريوى – خريبكة اليوم – المغرب

    إذا ما سبقنا القارئ فكل ما سنكتبه يخرج أصلا ميتا ..عبد الرحيم هريوى – خريبكة اليوم – المغرب

    حريرتنا حريرة ..وحريرة با ميلود في درب بوعزة بن علي بخريبكة ..!! قصة قصيرة عبد الرحيم هريوى خريبكة / المغرب

    حريرتنا حريرة ..وحريرة با ميلود في درب بوعزة بن علي بخريبكة ..!! قصة قصيرة عبد الرحيم هريوى خريبكة / المغرب

    صباح الصباح ؛لكل الذين يُحَرِّمُون الإبتسام..عبر رسائل رقمية للكاتبة المغربية ..!فاطمة العبدي- خريبݣة اليوم – المغرب

    صباح الصباح ؛لكل الذين يُحَرِّمُون الإبتسام..عبر رسائل رقمية للكاتبة المغربية ..!فاطمة العبدي- خريبݣة اليوم – المغرب

    ✓ من وحي الواقع . علال الجعدوني بني وليد تاونات المغرب .

    ✓ من وحي الواقع . علال الجعدوني بني وليد تاونات المغرب .