

بعد غيبة طويلة يعود إلينا ” نورالدين بن صالح زرفاوي “صاحب رائعة العصافير تهاجر كي تعيش بسرده الممتع عن عالم القراءة حينما يتقدم بنا العمر..
لم أعد أقوى على الاسترسال في القراءة.. ما أن أفتح كتاباً وأشرع في التهام سطوره وفقراته حتى يدُبّ الخمول في أوصالي، ويثقل النعاس جفنّي!..تغرورق عيناي، فتلوح لي الكلمات والسطور مجرّد نقط وخطوط سوداء.. حينها فقط، أطوي دفّتيْ الكتاب وأنهي المغامرة.. محبطاً.. تلكُم معضلتي…
في ركن قصيّ من المقهى، أجلس وحيدا أرغب في ساعة عزلة.. “مائة عام من العزلة” (رائعة غارسيا ماركيز) بين يدّيّ.. فوق المائدة المستديرة أمامي،فنجان قهوة مركّزة، رشفةٌ واحدةٌ منه كفيلة بأن تجعل النّوم يجافيني اللّيل كلّه.. رفيقي وسندي في رحلتي.. أرشف منه رشفات متتالية استعداداللتحدّي..شرعت أقلّب الصفحات إتباعاً..ألتهم السّطور والفقرات بنهم شديد.. أرسم المشاهد..أعيش الأحداث.. وأتقمّص الشخصيّات..وما هي إلّا لحظات، حتى اجتاحتني نوبةُ ارتخاء ونعاس.. أتثاءب ملءَ في.. تمتلئ مقلتيّ، فتنهمر دموعي ودياناً وأنهاراً على خدّي..النّادلة..شابّة.. أنيقة.. جرّيئة.. تمرُّ بالقرب منّي.. تقرأ عنوان الرّواية، فتصيح بعفوية:
– لقد قرأتها.. إنّها رائعة..!
– أجيبها بنفس العفوية :
– إطراء جميل!.. كم هو محظوظ “غارسيا ماركيز”!..
وعندما لاحظت الدّموعَ تجري على وجنتيّ، صاحت مستنكرة:
– ماذا ؟..أتبكي” عَمُّو”؟.. ألهذا الحدّ أثّرت فيك أحداث الرواية..؟..
– أجيبها بحنان لا يخلو من دهاء، وأنا أخرج منديلا من جيبي:
– ذاك حالنا نحن الرّجال بنيّتي!.. كلّما تقدمنا بالعمر، أصبحنا أكثر رقّة وعاطفة ..
– عكسنا نحن معشر النّساء، كلّما كبرنا، ازددنا غلظةً وسلاطةَ لسان!..
– قالتها،وقد ارتسمت على محيّاها ابتسامة مشرقة.. تنصرف هي.. أكفكف أنا دموعي، وأغوص من جديد بين دفّتي الكتاب.. ./.
نورالدين بن صالح زرفاوي 14/06/2024
Share this content: