
بين ثنايا السطورأغسطس 28, 2022
خريبكة / المغربكانت لنا صولات وجولات في زمان الثمانينيات من القرن الماضي مع حريرة با ميلود بدرب بوعزة بن علي، في محاذاة شارع محمد صدقي بخريبكة أي قرب الحركات.. ولقد كنا نتسابق بعفوية واندفاع حماسي على الطبلة الواحدة في انتظار “الجبانية ” الواحدة لبا ميلود..! لأنه كان قد وضع لنفسه عقدا يربطنا معه وهو عبارة عن قانونه الخاص، كي يستفيد أكبر عدد من الزبائن من مشروبه اللذيذ لبنته الخاصة، وتلك اللذة العجيبة يستشعرها كل من زار دكانه أول مرة، في يوم من الأيام، ولكثرة الإقبال على حريرته الشهية ، والتي تنتهي بسرعة فائقة، بعد ساعات قليلة من فترة العصر..!
وكان كل من لمحه با ميلود يقوم بأي حركة خارج نطاق السكون والهدوء الذي يضبطه ، وهو منشغل في توزيع ما في برمته من الحريرة إلا و طرده شر طردة من دكانه ،والغضب باديا على وجه..!
با ميلود لا يتكلم.. ولا ينطق إلا ببعض الكلمات المحسوبة جدا ،لأنه كان من الشخصيات الغامضة لدينا ،وذلك لأثقال وأتعاب يحملها على كتفيه في زمان قاس ..لكنه بالفعل كان أيقونة درب بوعزة بن علي، بنوع الحريرة التي يتكلف شخصيا في تهيئها كل يوم، وبتوابل مضبوطة جدا ..!
- ورحل با ميلود رحمة الله عليه، وودعنا لمتواه الأخير ،وظلت صورته في ذاكرتنا الجماعية، وقد ودع هذه المدينة الفوسفاطية خريبكة من زمان بعيد ..!
- وغابت معه حريرته البلدية ..!
لكنه كان لابد بأن يترك وراءه مدينتنا تعيش في عالم حريرتها الحامضة، والتي لا ولن تنتهي، وكل غريب يقوم اليوم بتهيء حريرته في مدينتنا الفوسفاطية حسب شهوته، ومعه طاقمه من رجالاته الذين يساعدونه في الطبخة الكبرى لحريرته تلك أي خارج طقوسها في شهر التوبة والغفران، حتى تكون الحريرة حامضة أو جارية لا يقربها إلا الراسخون في عالم الحريرة المحرحرة ..!
– لا تهيء مثل أصنافها تلك؛ إلا عندنا ..!
– ونحن نتفرد بحريرتنا لوحدنا في هذا البلد السعيد، بمدينتنا الجميلة الرائعة..!
و من يعشق نوعا من أصناف من تلك الحريرة ..
ولسان حالنا اليوم؛ كساكنة خريبكية يقول عن زمان با حماد :
رحلت يا أبا ميلود..!
يا صاحب الحريرة الخريبكية اللذيذة في زمانك الجميل..!
وتركتنا في حريرتنا المحرحرة..!
لا هي بمرق..!
ولا بالحريرة المغربية ..!
بل خليط من هذا وذاك ..!
لا تهضم ولا هي سهلة على الهضم ولا يأكلوا منها إلا من له معدة تأكل كل شيء..!

Share this content: