في إطلالة فيسبوكية جديدة للكاتبة سلوى إدريسي في براءة مسروقة حول الجسد بين الجماعة والذات -خريبكة اليوم – المغرب

كان التحرش الجنسي في الماضي يُنظر إليه كسلوك شاذ يظهر من حين إلى آخر، أما اليوم فقد أصبح ظاهرة عيان لا يمكن إنكارها. غير أن المهم هنا ليس توصيفها اجتماعيًا أو فلسفيًا، بل النظر إلى أثرها على نفسية الطفل الذي يتعرض لها، وكيف يمكن حمايته من جروحها العميقة على المدى البعيد.

الطفل حين تنكسر ساقه لا يشعر بالعار، رغم أنها ثمينة بالنسبة له لأنه يقفز ويلعب بها. إذا دخلت شظية زجاج في جلده أو عينه، أو تلقى صفعة على وجهه، لا يغمره شعور بالذنب. لكن الأمر يتغير عندما يُمسّ أحد أعضائه التناسلية، إذ يغدو مغطى بالعار. السبب لا يكمن في الجسد نفسه، بل في الخطاب الذي نحمله له: نحن من علّمناه أن هناك أجزاء “تابو”، مناطق للفضيحة، مناطق لا تُذكر ولا تُلمس ولا يُفصح عنها.

الطفل ينشأ في وعي جمعي لا يراه مالكًا كاملًا لجسده. هناك مناطق منه يعتبرها المجتمع رمزًا للشرف، أي أنها ليست له وحده بل للعائلة والقبيلة والآخرين. حين تنتهك هذه الأجزاء، يشعر أن ما حدث أكبر من احتماله، لأنه يمس الجماعة التي يمثلها. هنا يظهر الشلل والصمت ويتكرر الاعتداء.

الأدهى أن ثقافتنا تعامل الاعتداء الجنسي باعتباره فضيحة تُلصق بالضحية، بينما حتى القتل لا يحمل المقتول وزره. المقتول يُبكى عليه، أما الطفل المعتدى عليه فيُجرّد من براءته. هذه المفارقة تكشف الخلل: الجسد ليس إنسانًا في وعينا بل أيقونة شرف جمعي.

لحماية الطفل نحتاج إلى خطاب جديد. خطاب يحرره من ثقل العار ويعيد جسده له. أن يعرف كل عضو من جسده باسمه الحقيقي، من الرأس إلى القدم، وأن يدرك أن له الحق في أن يرفض أي مسّ به. أن يتعلم أن يصرخ إذا لُمس دون إذنه، كما يصرخ إذا سُرقت لعبته. أن يسمع بوضوح أن الخطأ ليس فيه بل في المعتدي، وأن الاعتداء جريمة مثل أي جريمة أخرى. أن يفهم أن الشرف لا يقيم في عضو، بل في الصدق والعدل والكرامة.

ولا بد أن نعيد النظر في الغريزة نفسها: هي ليست نجاسة ولا انحرافًا في أصلها، بل طاقة موجودة في كل الكائنات. ما يجعلها خطرًا هو استغلالها في الاعتداء، تمامًا كما يُستغل الغضب في القتل أو القوة في البطش.

التحرش يستفحل لأنه يجد في ثقافة الصمت والعار أرضًا خصبة. الطفل لا يولد شاعرًا بالذنب، نحن من نزرع فيه الفضيحة. وحمايته لن تتحقق بالقوانين وحدها، بل بخطاب مختلف يزرع في وعيه أن جسده ملكه، وأنه قادر على أن يقول بلا خوف: فلان لمسني هنا، من غير أن يشعر أن العالم انهار من حوله.

سلوى ادريسي والي

Share this content:

  • Related Posts

    هي الحياة نص روائي؛ قد يقرأ في حالة هشاشة يعيشها المجتمع -عبد الرحيم هريوى -خريبكة اليوم – المغرب

    –هي الحياة تعاش على ضفاف النصوص المثيرة ..وماذا قيل عن دور الرواية الأدبية المعاصرة في حياتنا الاجتماعية والثقافية والسياسية والأدبية،ومساهمتها في أن تلعب أكثر من دور في أنسنة الأشخاص..؟؟ وهل قراءة الرواية مضيعة للوقت كما يظنها البعض ؟ -وهناك من يصف الرواية بكونها الجنس الأدبي الأكثر قدرة على تمثيل الواقع الذي يعاني الشتات من حيث الرؤية والوضوح، بواسطة السرد الذي يتيح إمكانيات…

    Read more

    أعطاب فايسبوكية..مجدالدين سعودي – خريبكة اليوم – المغرب.

    عالم الفايسبوك عالم لا متناهي، يشبه مدينة الدار البيضاء في شساعتها وضجيجها ومشاكلها وتلوثها وازدحامها…وأينما وليت وجهك في (الدار البيضاء – الغول) يبتلعك هذا الغول … تتأمل عالم الفايسبوك اللامتناهي وتحس بالألم والخذلان والأسف:تكتب مقالة أدبية، فلا يلتفت اليها الا نفر من الناس … تكتب نقدا أدبيا فلا يتجاوب معه الا القليل … تكتب قصيدة فلا يراها الا البعض ممن رحم…

    Read more

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    You Missed

    “بين غواية الحرف وصرخة الذات “يكتب القارئ المتميز والشاعر المغربي عبد العزيز برعود عن التجربة الشعرية للأديبة المغربية نعيمة معاوية -خريبكة اليوم – المغرب

    “بين غواية الحرف وصرخة الذات “يكتب القارئ المتميز والشاعر المغربي عبد العزيز برعود عن التجربة الشعرية للأديبة المغربية نعيمة معاوية -خريبكة اليوم – المغرب

    لا فرق لنا اليوم بين فريق” الكونغو أوالطوغو أو جزر القمر “فكلهم قد اتفقوا عنوة على إفساد أي عرس كروي ضد منتخبنا وهم  يركنون للدفاع..عبد الرحيم هريوى – خريبكة اليوم – المغرب

    لا فرق لنا اليوم بين فريق” الكونغو أوالطوغو أو جزر القمر “فكلهم قد اتفقوا عنوة على إفساد أي عرس كروي ضد منتخبنا وهم  يركنون للدفاع..عبد الرحيم هريوى – خريبكة اليوم – المغرب

    أين يكمن الوعي لدى القاصة المغربية سلوى ادريسي والي..؟؟ خريبكة اليوم – المغرب

    أين يكمن الوعي لدى القاصة المغربية سلوى ادريسي والي..؟؟ خريبكة اليوم – المغرب

    لا يمكن لأي قارئ أن يمتلك نفسا طويلا في قراءة النصوص الروائية الطويلة والمؤسسة للفكر الإنساني في مجال الأدب..عبد الرحيم هريوى – خريبكة – المغرب

    لا يمكن لأي قارئ أن يمتلك نفسا طويلا في قراءة النصوص الروائية الطويلة والمؤسسة للفكر الإنساني في مجال الأدب..عبد الرحيم هريوى – خريبكة – المغرب

      اليوم ؛ جملة مما دونته على حائطي الفيسبوكي.عبد الرحيم هريوى – خريبكة اليوم – المغرب

      اليوم ؛ جملة مما دونته على حائطي الفيسبوكي.عبد الرحيم هريوى – خريبكة اليوم – المغرب

    جواز سفري لأمصار شتى هو كتاب قرأته..عبد الرحيم هريوى -خريبكة اليوم – المغرب

    جواز سفري لأمصار شتى هو كتاب قرأته..عبد الرحيم هريوى -خريبكة اليوم – المغرب