

وأنا أقرأ هذا النص الرائع والجميل ،الذي جذبني إليه جذبا شعريا..وأعدت قراءته بتأن ؛ لا لشيء سوى لكي أسبح بخيالي وأتقصى خيالاته البعيدة للكلمات التي لبست كل الألوان المثيرة للبصر لدى أمبراطور الطفل في قراءة فلسفية عميقة …
والمثير في المساحة التي احتلتها الكلمات هي الشكوى والألم الدفين الذي ما يبرح يدفعنا بقوة للكتابة والبوح وتنظيم موسيقى من الكلمات وتدهش على حد قولة بودلير “الشعر الجيد هو الذي يدهش “وتطرح كل قلق استثنائي لدى القارئ الذي يغوص في معاني الألفاظ والصور المرسومة بخيال الشعراء تهز الوجدان والعواطف هزا يرتجف به الفؤاد بزلزال عميق الغور بمساحات ..!!
الشاعر في خطاب مع خياله الثاني، لم يحدد آسمه؛ بل نعتبره أحد الضمائر الاستثنائية في حياة الشاعر.أريد “ك”أن تعرف وحتى نقترب من الشجرة أكثر، ونقطف ثمار نص جميل؛ ونقول بدل الشاعر : – أريد(ك) بكاف المخاطب أن تعرف كم أنا مثقل بالصبر ..!؟
أي روح تلك التي تتحمل وتصبر، لما تعيش ما تعيشه من الهزات العنيفة، وللحظات ألم وجراح ،تحز في الكيان الباطني في البوح الصادق للشاعر، وتقابل بمزيد من التحمل التراجيدي وقاموس من لغة الصبر..!!
ويمضي شاعرنا وهو يغترف بثقافة الكبار من لغة تحمل كل الرموز والتشبيه والإيجاز، كي يعطي للشعر مساحة من صورة من الثقل الأسطوري :
كما لو أني
ألتحِف معاطفَ
أي إبداع هذا ..!!وأي تصوير لغوي ذاك ..!!؟ إلا من قال لا يكون الشاعر شاعرا إلا حينما يمتلك ناصية ثقافة اللغة..!!
..فما زال الشاعر في وصف دقيق للمعاناة والمكابدة النفسية والضربات الموجعة و المبرحة للذات العميقة.. وبوصف استعاري بليغ في صور خيالات من عالم البحر وأهواله ،وهي تقلبات الأيام كالأمواج ،واشتداد العواصف ،وهو يعيش في مملكة الصبر والتحمل وتعاقب الأعاصير ،ولأن سوط القدر ذاك له كلمة المفصل في كل ما يعانيه ويعيشه ،وهو الذي يعيش فصولا من المعاناة وبروح الاستسلام وتقلبات صروف الدهر..!!
أُدمِنُ ..
ولا أتبرم
من سَوط القَدر
تجرفُ الأعوام مراكبي
فأداري رشقات
الموج
مُواريةً أترك نوافذي
ما زال شاعرنا يحمل في خياله صورة للمخاطب ذاك ..و في صورة المشتكي عليه، أو المنصت؛ السامع لشكواه ،وهو في عالم أحلامه الصغرى والكبرى. وهو يراقص الملائكة الصغار على حد تعبير محمود درويش ،وترافقه لغته السلسة بكل تلويناتها وهو يغرف من آبار حنين حلم لا ينضب..وينتقل للإعجاز اللغوي مستعملا لغة التمني: ووددت لو أني أتدلى وسط الأعماق من أجل الترانيم بلغة الشعر ،والترتيل من قاموس الألم بلغة الشعر ،الذي أجد فيه عزائي وأشاركك معي في كل سمفونية أبدعتها بموسيقى الكلمات..!!
وأغرِفُ من آبار
حنين حُلم
لا يَنضَب
وكم وَدِدتُ
لو أتدَلَّى وَسط الأعماق
وأُرتل غَصاتي
لنفسي
ولك
ويبقى مستمرا في تراجيديا حوار مع الآخر ؛ أي ذاك الظل الذي يشاركه ملف حياته الصعبة،وهو يحكيها قصيدة شعرية ، وبفصول تراجيدية ،وفي طريق الخريف الجارف للكيان وللروح المجروحة ،ويتوقف بتشبيه موسيقى من الطبيعة التي يجد فيها عزاءه:
وكم
يَستهويني
حفيفُ قديم الأوراق
وها هو ؛ يعيد الصياغة بسياقات أضداد مجازية بين ما يستهويني في الأولى، ويحزنني في الثانية، لعلها ما قالها محمود درويش في صورة رقصة البجع الأخيرة في سيناريو القصيدة ،والشمعة ظلت رفيقة الكتاب والكتابة والإبداع والموسيقى، وذلك لطبيعتها الرمزية في تدمير نفسها من أجل الإضاءة والتنوير وقهر الظلام وبعشق..!
وتحزنني رقصة
شمعة تفنى
بِعشق
فهل كانت كم الأولى في رفاق حزين للشاعر، عبر صور الأوراق اليابسة والإصفرار والموت ونهاية الاحتراق من أجل الإضاءة والتنوير..!!؟؟
وكم الثانية في الفصل الأخير- تفيد التدقيق والتعجب اللفظي البعيد-من هذا النص، و حملت معها أثقال كل جبال الصبر، ذاك المدفون بين جوانح الذات المعذبة،وفي الصورة الكبرى -معطاف الحجر – وكل لوم وعتاب للظل الخفي-أريدك أن تعرف..!!-و الذي تلمسه الشاعر ولم يفصح للقارئ عن اسمه ،فكيف لهذا الكائن الآخر بأن لا يعشق أجراس الكلمات من الشعر،ولماذا كل هذا الإمعان في الغياب وهذا السفر..؟؟
وكم
هو ضائِقٌ
ألا تسمَع لازِمتي
أيها المُمعن في الغياب
المسكون بغابر
السفر
النص للشعر المنثور المستهدف من القراءة الأدبية والفنية..
-كم هو ضائق..!!
أريد أن تعرف
كم أنا مُثقلٌ بالصبر
كما لو أني
ألتحِف معاطفَ
من حَجر
أُدمِنُ ..
ولا أتبرم
من سَوط القَدر
تجرفُ الأعوام مراكبي
فأداري رشقات
الموج
مُواريةً أترك نوافذي
وأغرِفُ من آبار
حنين حُلم
لا يَنضَب
وكم وَدِدتُ
لو أتدَلَّى وَسط الأعماق
وأُرتل غَصاتي
لنفسي
ولك
وكم
يَستهويني
حفيفُ قديم الأوراق
وتحزنني رقصة
شمعة تفنى
بِعشق
وكم
هو ضائِقٌ
ألا تسمَع لازِمتي
أيها المُمعن في الغياب
المسكون بغابر
السفر
– أحمد نفاع –
خنيفرة / المغرب
في 02 نونبر 2024
Share this content: