
لغة الروح
في كل علاقة، مهما اختلفت أشكالها وتباينت مستوياتها، تظلّ الحاجة إلى قاموس مشترك أمرًا لا غنى عنه. لكن هذا القاموس لا يُبنى بالكلمات وحدها، بل تنسجه الأرواح أولاً، قبل أن تنطق الألسنة. إنها لغة خفية، صامتة، لا تُرى، بل تُشعر، يُفهم من خلالها منظور الآخر وزاويته الخاصة في النظر إلى العالم.
فمن اعتاد التأمل في السماء ليس كمن ألِف التطلّع إلى الأرض. الأوّل يسبح في فضاءات المعنى، والثاني يرزح تحت ثقل الحواس. هنا تتجلى المفارقة الكبرى: الإنسان المادي الذي يرى في كلّ ما حوله وسيلة للامتلاك، مقابل الإنسان الروحاني الذي يرى في الأشياء إشارات ودلالات لما هو أبعد وأعمق.
ذاك الذي سكن القاموس الماديّ، لا ينطق إلّا بأفعال الامتلاك والسيطرة: “أريد، أعطني، أقترب، ألمس، أمتلك…”. بينما القاموس الروحيّ مليء بكلمات لا تُقال بقدر ما تُعاش: “عطاء، صدق، عفوية، وضوح، إيثار”. في عالم الروح، لا قيمة للكلمات إذا لم تكن صدىً لتجربة داخلية صادقة.
لقاء الروح بالمادة ظلّ دائمًا لقاءً شائكًا، بل لعله من أعقد المواعيد التي عرفها الكون منذ أن تنفّس الوجود. وكل من حاول فصل أحدهما عن الآخر، عاد مكسور الجناح، مثقلاً بالخذلان. أن تحيا كروح في عالم لا يعترف إلا بالمحسوس، يشبه أن تُسجن في جسد لا يشبهك، كأنك كائن شفاف حُبس في قفصٍ من الطين، يتوق إلى لحظة الانعتاق الأخيرة… لحظة الموت.
وهكذا، تظلّ الرحلة الروحية صراعًا بين ما نلمسه وما نشعر به، بين القيد والحرية، بين الجسد والروح… وبين ما يُقال، وما يُعاش.
#سلوى_ادريسي_والي

Share this content: