

نص جدير بالقراءة “زينة الدنيا” للشجاعة التي أبداها الكاتب في الغوص في عتمات و ظلام زمن الأندلس-شقندة.. زينة الدنيا أن يسود العقل دون أن يستبد،وأن تقوم العاطفة دون أن تغلو ،وأن يتعايشا في وئام .زينة الدنيا أن ينال الناس من العيش ما يصون كرامتهم ويحفظ مروءتهم.زينة الدنيا ألا يتحول الغنى إلى بطر،والفقر إلى كفر.زينة الدنيا ألا يقع انشطار في علاقة يفترض أن تكون متكاملة،بين الرجل والمرأة ،والحاكم والمحكوم ،والعالم والمتعلم،والبالغ والصبي ،والإنسان والطبيعة …زينة الدنيا مشروع في مسار الإنسان،يتقدم نحوه،ويدلف إليه كلما فضح ما قد يحيطه من زيف ،وما يتهدده من هجير،ولا يتستر عما قد يطبع حياة مجتمعه من غلو وفساد وزيغ ..
تذكر زيري وهو يحدث مرة جمانةفي مطعم كيف انبرى بشرح تواتر عن زينة الدنيا ،وهو التعبير الشائع عن الأندلس.كان ينظر إليها كذلك لمائها وهوائها وأرضها..
لا يعرف قيمة هذا النص إلا من انخرط حقيقة في القراءة الكبرى،للنصوص المؤسسة للفكر والوعي الشقي البشري عبر الرواية المعاصرة، انطلاقا من دون كيشوت دي لامانشا مرورا بقساوة العيش والحرمان الطفولي والآهات لمحمد شكري عبر نصه التراجيدي النفسي العميق” الخبز الحافي” وقوفا عن ما كتبه غابرييل كارسيا ماركيز عن مائة عام من العزلة عبر خيال أدبي يعطي للرواية رمزيتها في حياة الشعوب المعاصرة .ولعل ما أتحفنا به الروسي دويستويفسكي عن شعب من الأموات في سجون تداس فيها كرامات الإنسان في نصه الرائع ” ذكريات من منزل الأموات” لكل ذلك تبقى الرواية العالمية اليوم محط اهتمام لدى شعوب الأرض ،لأنه نقل للحياة العامة بكل تناقضاتها وجزئياتها ،المسكوت عنه والمسموح الخوض فيه .الرواية تحمل سيناريوهات مكتوبة عن الشعوب عبر العالم .وعن تلك الكائنات البشرية المعقدة .ومتناقضة أحيانا ..البشر إن رغبوا في الموت ماتوا كما عبر عن ذلك الروائي الياباني كيغو هيغاشينو في نصه “جلسة قهوة ” والقارئ المثقف والقارئ المتعلم كلاهما يجد متعة في أوقات يخصصها لمرافقة هذه النصوص الروائية العالمية لكبار الفكروالخيال وبروح الفلاسفة عبر فصول و مشاهد تشدنا شدا للوجود، للحياة، للطبيعة، للموت ،للتاريخ عبر قوة من الإبداع في استرجاع الزمن الماضي في ديمومة متواصلة تجعلنا نعيش الأحداث بمنظور جمالي وبعيون الحاضر ..وذاك ما استطاع أن يبدعه صاحب رواء مكة والموريسكي ورحلة من الجنوب والموتشو وبلمسة الكبار وبروح الأديب المغربي الذي تمفصلت في شخصيته المغربية ،هويات كثيرة و متعايشة ومتشعبة من الزمن القديم ومنها الصحراوي والأمازيغي -البربري والإسلامي -العربي..
ولكن هل تستطيع راحيل أن تتنكر لتراث اليهودية؟ هل يمكن أن تنسلخ عن قرون المعاناة والاضطهاد؟ ليست الطقوس إلا تعبيرا عن هوية الاضطهاد ،ولربما ذلك ما جعلها قريبة من مباركة ،ضحية الاستعباد…العقد الفريد كان ينفرط دوما أمام فهم ضيق للدين وللسياسة والمزج بينهما..
تذكر نصا لسينيكا عن قصر الحياة .هي قصيرة لأننا نرتد دوما دون ما نطمح له ،وهي عريضة لأنها تحبل بأفعالنا وأحلامنا و تصوراتنا واوهامنا.لا ينبغي الجزع حين تحين الساعة.ما قصر الحياة ،وما طولها أو عرضها؟؟هي تمثلات...مسيرة التاريخ ليست هي مسيرة الإنسان،و نحن مستعجلون. الذي أشعر به هو نهاية بني أمية...القوة أداة…أما السياسة تحل ما لا تستطيعه القوة..بالقوة تفرض رؤيتك على الآخر إلى حين.و بالسياسة تتوصل والآخر إلى حلول وسطى ملزمة لك وله...مكان الخمر في زمن الأندلس جزءا من ثقافتها…ألا تكون ذات الطبيعة الجغرافية وعاء لذات البنية الذهنية..الطبيعة الجغرافية صماء والذي يصوغ البنية ،في الجانب الأكبر ،هو الإرادة السياسية،أو الرؤية،أو العقيدة،أو الفهم لها وتوظيفها،الطبيعة الجغرافية غير كافية لصياغة بنية ذهنية...رتابة حياتي تصرفني عن الأسئلة الوجودية…نظرت إلى نفسي في المرآة ، ووجدتني شخصا آخر، بدأ الزمن يرسم معالمه، مثلما أخذ يحفر في تجاويف نفسي…
نحن في مأتم ،فلم تزج بالسياسة في كل شيء؟لأن كل شيء سياسة يا بلقين،عقب يغمراسن…حتى حينما نظهر عدم اهتمامنا بها.كان يقف في إجلال لرجل حمل عبقرية الأندلس.كان بمثابة أرض هي أرض إيبيريا،بمادتها القوطية،سقيت من ماء الحضارة الإغريقية الرومانية،ثم بعدها من روافد الحضارة العربية الإسلامية…كان بأشكول نتاج هذه الروافد كلها،والتعبير عن عبقريتها .كان غرسها السابق.وجد في العقل الرابط لعناصرها،وفي العدل الماسك لسدى النسيج،وفي الوعي التاريخي الضامن لعبريتها… وراح يقول لنفسه:«جهازك العصبي أسوأ أعدائك.وقد يؤدي ما يصيبك من توتر إلى تورطك في أشياء تؤدي إلى سوء العاقبة.»
كان صوت الألم يحمل وهج وديعة الرافدين ،وينفث أريج زينة الدنيا. بهذه العبارة أبى الروائي حسن أوريد أن ينهي رواية زينة الدنيا ..بقرطبة 28 يناير 2018 وبالرباط 15 أغسطس 2019
انتهت رواية زينة الحياة لي كقارئ، لكنها لم تنته كنص للتاريخ الأندلسي والعدوة “المغرب الأقصى ” في صورة حكي سردي لايخلو من جمالية أدبية تشد القارئ الجيد الذي يعبر خطوات ممشاه بين مسالك ومنعرجات فكرية وسياسية واجتماعية عاشتها ساكنة الأندلس على اختلاف أديانها وأجناسها وثقافتها والذي يصاحب أيقونة الرواية التاريخية حسن أوريد الذي بزغ فجره الأدبي من خلال عدة مشاريع كبرى في مجال كتابة النص الروائي بحمولات فكرية -فلسفية وسياسية -تاريخية لذلك استطاع أن يخلق لديه فئة واسعة من القراء وذلك لتشبعه بالثقافة المغربية القديمة والمعاصرة وإطلاعه الواسع على الشعر العربي في زمن مجده والتراث الأدب العربي القديم لفترة الأمويين والعباسيين، والأدب الأندلسي والذي يزخر بالشيء الكثير في مجال السرد الحكائي وتوظيف اللغة وثقافتها..“وما كان له بأن ينسلخ عن سحر اللغة العربية وجماليتها في عمق الوصف والتعبير..
من شعر الفطاحل عمر بن أبي ربيعة وجرير والأخطل وذي الرمة والطرماح وابن الرومي والبحتري وأبي تمام “
رواية زينة الدنيا مثلها مثل رواية مدن الملح للسعودي عبد الرحمن المنيف -الرواية تتكلم وتصور الحياة مع بداية اكتشاف النفط والتحولات المتسارعة التي حلت بمدن وقرى الجزيرة العربية بسبب أكتشاف النفط. .منقول-
ورواية المغاربة لعبد الكريم الجويطي التي سطرت بحروف من ماء الذهب التي جعلت من تجليد الذات المغربية واقعا تراجيديا عبر فصول من السرد الدرامي للإنسان المغربي المقهور بمنظور سيكولوجية مصطفى حجازي، لذلك لعبت زينة الحياة على أكثر من رقعة عبر فضاءات تاريخية شهدت على وصول الإسلام الحضاري للشمال الأوروبي عبر بوابة الأندلس والعدوة -المغرب الأقصى- عبر فضاءات وأحداث وشخصيات تاريخية عبر طقوس سياسية ودينية واجتماعية تم استراجعها عبر حلقات التاريخ والتي سيعايشها القارئ لحظة بلحظة في ديمومة الزمن التاريخي عبر عدة مدن أندلسية منها { غرناطة – قرطبة وقصر الزهراء – إشبيلية -إستجة- }
استطاع الكاتب أن يعطي للقارئ دروسا بليغة في بناء النص الروائي الدرامي الحديث عبر كثافة من تسلسلات من مشاهد فنية وجمالية ولغوية للأحداث وتشابكها وأساطيرها التي لا تخلو من متعة. وفي بنائه لصور مركبة تتحدى كل المسافات الزمنية المرتدة بإبداع درامي قل نظيره ،وكأننا أمام معلم الأجيال ” جورجي زيدان” للدروس التاريخية بلباس الرواية ، كما سماه ياسين عدنا ن صاحب “هوت ماروك” والذي استطاع أن يخيط لنصوصه الروائية أثوابا على مقاص تعيدنا للتاريخ الماضي المعاصر و بنكهة الفكر والأدب في رائعة فتاة القيروان لجرجي زيدان المسيحي اللبناني الذي سكن بمصر ،وهي رواية تاريخية غرامية وظهور الفاطميين في إفريقيا …وتشكلها الرمزي والأنثروبولوجي في مجال الكتابة الروائية المعاصرة..
زينة الدنيا بل زينة الحياة الدنيا التي استطاع الكاتب حسن أوريد بأن يصورها لنا في مشاهد وفصول من السرد الحكائي الممتع ،إذ وظف الأحداث في ديمومة زمنية تجول عبرها بأماكن ما زالت شاهدة على الزمن الأندلسي إلى اليوم غرناطة واشبيلية..”أخذت قرطبة تتناءى .بدسائسها ومؤامراتها وشؤونها و هواجسها ومخاوفها.“لقد استطاع أن يجعل من شخصيات روايته أسماءا تاريخية ، حملت مع سرده ثقل أعباء صيرورة تاريخية وتحولات عميقة في السياسة التي كانت تدار بها كل الحياة بين الطبقات الاجتماعية من سادة وفقهاء وشعراء وباقي العامة من الشعب الأندلسي الذي كان عبارة عن خليط من الأجناس والديانات فمنهم المسيحي والإسلامي والوثني والغنوصي .” تتعايش فيها الأعراق والملل والنحل”.السلطان مثل النار ، إن اقتربت منه كثيرا احترقت.”
“زينة الدنيا “نص يحيلك على ما كان يدور من دسائس وصراعات حول المكانة والسلطان ،وكشفه الدرامي عن ذلك بشكل مفضوح جول ما كان يجري في الغرف المظلمة ،وما يتم إبلاغه للعامة عبر الخطب بالمساجد ..و تتغير مظاهر الحياة ووسائل العيش لكن الإنسان هو الإنسان في حقيقته وأطماعه في الحكم والتحكم والسلطان -وتبقى ضريبة السياسة هي هي عبر التاريخ البشري .لأن السلطان يغير الإنسان..
–لابد من أخلاق في السياسة يا زيري .السلطان بلا فضيلة مؤذن بالخراب.اقرأ كتابات الفرس .اقرأ فلسفة الإغريق.اقرأ الكتاب المقدس والقرآن.يمكن أن تنتزع السلطان بالخديعة.ولا يمكن أن تحافظ عليه إلا بالفضيلة..كان الحنين للغة كالحنين للأم .وكان اللقاء بها كاللقاء بالأم..-الحي المسيحي..
بالسبت يعرف اليهودي وبالصيام يعرف المسلم ..في صفوف المولدين ،وهم من أسلموا،ومن المستعربين وهم من لم يسلموا واتخذوا العربية لسانا لهم…السؤال؛ وشرط السؤال هو الاستفهام، وحافز الاستفهام هو الاندهاش .الأفراد والجماعات التي لا يسكنها الاندهاش لا يمكن أن تبلغ المعرفة
–

Share this content: