نص قصصي  قصير للكاتبة رجاء الربيعي  تحت عنوان : “أفكار محشوة بالألم”

نص قصصي  قصير للكاتبة رجاء الربيعي  تحت عنوان : “أفكار محشوة بالألم

وحيدةً، كانت تجلسُ بوجهٍها الذي تشوبهُ – بين فترة وأخرى – سحبٌ كثيفةٌ من الهموم، خلفَ جفنيها ترقدُ دموعٌ بانتظارِ أن يأذنَ لها الكبرياءُ الجريحُ بالنزوحِ، تراقبُ الوجوهَ والأجسادَ المتمايلة و المتراقصة من بعيدٍ، من هنا من مقعدها الخشبي في  صالة الأعراس ، تذكرت أيام العيد في طفولتها المغدورة ، وكيف كانت حلاوة الاجتماع في بيت الجد والركض في حديقته الواسعة ، ومن يبادل رفيقته الجديدة في الحياة كأس العصير ؛ يسعى خلف فراشة برتقالية ليصطادها لها ؛ ما زالت تذكر بهجته وهو يسمع وقع أصوات قدميها كلما همّت بزيارته في منزلهم الواقع على بعد شارعين من منزلهم في شارع فلسطين  ؛ وكيف كان يمازحها بما كتبه من عبارات ساخرة في درس الانشاء ، أو مراوغاته لموسيقى الكلمات في اشعاره البدائية ؛ فتضحك من مشاكساته اللذيذة وخصوصا حينما يقوم باستعراض القائها أمامها ، وتعجب بحركات يديه ، نظراته ، وسلوكه ، و رقته معها ، كان لديها شعور ورغبة كبيرة بمبادرته للاتصال بها ؛ ليتلمس بمجساته الحذقة ؛ إن كانت تهيم به شوقا وتبادله مشاعره التي كان يبثها بحركات أصابعه الخشنة كلما قرأ عليها نصا أم لا ؟

ولكن ذلك لم يحدث ، فبمجرد أن سمع بترددها لطلبه في الاقتران بها ؛ سارع إلى خطبة زميلة له في العمل ، لا يُنكر أنها جميلة ، ولكن هل كان هذا التصرف جوابا رادعا  لها ؛ لصرفه كل ذلك الوقت في محاولته تحديد حجم علاقتهما التي لم تنضج بعد أم تسرعا منه أم محاولة لانقاذ كرامة يعتقد بأنها قد أريقت عندما سمع بخبر ترددها بالقبول به ؟ّ

وها هي الآن تجلس قبالتهم وتوزع لهما ابتسامة وهمية كلما بادروها بالنظر عند كل طقس يقومان به أمامها .

لوهلة قالت لنفسها :ماذا يحدث لو كنت أنا في هذه الساعة عروسه؟!. 

وما أن واجهها قبل أن يركبا سيارة ( الزفة  ) ، باركتهما بعبارة كادت أن تمزق حنجرتها من عمق مرارتها ،تبعتها آهة حاولت أن تزيح – عن طريقها – بعض الألم .

في الطريق كانت تحاول أن لا تستمع والدتها وأخواتها وهن يتحدثن عن مباهج هذه الحفلة المشؤومة ، وعن كم الرقصات والفساتين والأغاني التي عرضت هناك ، فدخلت في حالة غيبوبة لحلم يقظة يبعدها عن صخب رفيقاتها في هذه الحفلة .

في البيت بدأت تتصنع الحديث مع والدتها  بعصبية عن انعدام التيار الكهربائي ، وانشغالهم بتفاصيل هامشية لعرس تافه عن تسديد فاتورتها ؛ رغم علمهم بخوفها الشديد من الظلام ، فظهر صوتها الراجف في منتصف عائلتها التي لا تعلم سبب توترها المفاجئ ؛ الذي سرعان ما زال بعودة التيار الكهربائي ، فدخلت غرفتها ، وشرعت تخلع حزنها المخنوق بالغيرة مع كل قطعة من ثيابها ، فرمت بجسدها على السرير محاولة النوم؛ إلا أنها سرعان ما غابت في دوامة من عويل مخنوق .

Share this content:

  • Related Posts

    “بين غواية الحرف وصرخة الذات “يكتب القارئ المتميز والشاعر المغربي عبد العزيز برعود عن التجربة الشعرية للأديبة المغربية نعيمة معاوية -خريبكة اليوم – المغرب

    عبد العزيز برعود. المغرب تقديم: تتربع الشاعرة المغربية نعيمة معاوية على ضفاف التجربة الشعرية المعاصرة كصوت نسائي متفرد، يكتب من عمق المعاناة، وينتصر للأنوثة والروح والجمال. في قصائدها نلمح نبضًا إنسانيًا شفافًا، تتداخل فيه أبعاد الحب، والفقد، والانتظار، والتمرد، والموت، في مشهد شعري أقرب إلى صلوات الذات في محراب الوجود. وما بين (رقصة موت)1 ، و(أغار)1، و(قيثارة الحب)1، و(لا تسلني)1، وغيرها،…

    Read more

      اليوم ؛ جملة مما دونته على حائطي الفيسبوكي.عبد الرحيم هريوى – خريبكة اليوم – المغرب

    ما دونته اليوم على حائطي الفيسبوكي كتعبير عابر عن ما خالج الكيان من أفكار عن الواقع والبشر والأخلاق وما أفسده الزمان من هكذا سلوكيات   في هذا العالم، لا يوجد خير مطلق ،ولا يوجد شر مطلق ،الخير والشر ليسا كيانين ثابتين ومستقرين ، ولكنها يتناوبان مكانيهما باستمرار .فالخير قد يتحول إلى شر في الثانية المثالية والعكس بالعكس .كانت هذه هي حال العالم…

    Read more

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    You Missed

    “بين غواية الحرف وصرخة الذات “يكتب القارئ المتميز والشاعر المغربي عبد العزيز برعود عن التجربة الشعرية للأديبة المغربية نعيمة معاوية -خريبكة اليوم – المغرب

    “بين غواية الحرف وصرخة الذات “يكتب القارئ المتميز والشاعر المغربي عبد العزيز برعود عن التجربة الشعرية للأديبة المغربية نعيمة معاوية -خريبكة اليوم – المغرب

    لا فرق لنا اليوم بين فريق” الكونغو أوالطوغو أو جزر القمر “فكلهم قد اتفقوا عنوة على إفساد أي عرس كروي ضد منتخبنا وهم  يركنون للدفاع..عبد الرحيم هريوى – خريبكة اليوم – المغرب

    لا فرق لنا اليوم بين فريق” الكونغو أوالطوغو أو جزر القمر “فكلهم قد اتفقوا عنوة على إفساد أي عرس كروي ضد منتخبنا وهم  يركنون للدفاع..عبد الرحيم هريوى – خريبكة اليوم – المغرب

    أين يكمن الوعي لدى القاصة المغربية سلوى ادريسي والي..؟؟ خريبكة اليوم – المغرب

    أين يكمن الوعي لدى القاصة المغربية سلوى ادريسي والي..؟؟ خريبكة اليوم – المغرب

    لا يمكن لأي قارئ أن يمتلك نفسا طويلا في قراءة النصوص الروائية الطويلة والمؤسسة للفكر الإنساني في مجال الأدب..عبد الرحيم هريوى – خريبكة – المغرب

    لا يمكن لأي قارئ أن يمتلك نفسا طويلا في قراءة النصوص الروائية الطويلة والمؤسسة للفكر الإنساني في مجال الأدب..عبد الرحيم هريوى – خريبكة – المغرب

      اليوم ؛ جملة مما دونته على حائطي الفيسبوكي.عبد الرحيم هريوى – خريبكة اليوم – المغرب

      اليوم ؛ جملة مما دونته على حائطي الفيسبوكي.عبد الرحيم هريوى – خريبكة اليوم – المغرب

    جواز سفري لأمصار شتى هو كتاب قرأته..عبد الرحيم هريوى -خريبكة اليوم – المغرب

    جواز سفري لأمصار شتى هو كتاب قرأته..عبد الرحيم هريوى -خريبكة اليوم – المغرب