
وأنت لوحدك اليوم ؛تحتسي كأس قهوتك في ركن مجهول بمقهى معزولة عن العالمين..!
ما أصعبها تلك اللحظات على النفس البشرية،بالفعل حينما تعيش الخواء المطلق في آخر زفرات عمرك ..!
وأنت الذي تجد حينها نفسك اليوم لوحدك منعزلا عن عالم الحياة، أي بعدما كنت بالأمس القريب بٱسمك الأسطوري الذي يحفظه القريب والداني..
الكل كان يحترمك ويقدرك ..!
ولربما هم ينافقون معك من أجل أن تمد لهم يد العون.. أو تقضي لهم طلباتهم هنا وهناك..!
وكما تعلم فقد كانت هواتفك لا تتوقف عن الرنين والكل يتصل بك.. والكل يطلبك..!
وأنت الذي تمشي بطولك وعظمتك على البساط الأحمر -تحت صوت مارسيل خليفة منتصبَ القامةِ أمشي مرفوع الهامة أمشي..!
كل شيء في حياتك تقضيه عبر هواتفك ..!
ولا أحد يرد لك طلباتك العاجلة..!
السيارة التي بين يديك اليوم؛ قد تتقادم خلال سنوات قليلة بعدما ركبتها مباشرة بعد خروجها من المصنع..!
ألفت أن تغير أحذيتك ولباسك وعطورك وقهوتك وهاتفك ووجوه البشر التي تحيط بعالمك الخاص..وربما غيرت أشياء أخرى قد نخفيها على القارئ كي يتلمسها بين ظلال ثنايا السطور..!
ولا أظن بأنك غيرت جريدتك التي تعشقها ولا تقرؤها..!
كم هي لحظات بئيسة تعيشها اليوم يا شاعر الحمراء؛ الآلام تدمي قلبك حينما تجد نفسك وحيدا في عالم يحيط به الصمت من كل جانب..!
وأنت تمشي في شوارع المدينة لوحدك ..!
وأنت تلتفت عن يمينك وعن شمالك ..!
وأنت تتنهد وتتألم تشعر بغبن واحتقار لا مثيل له الآن وحينذاك وأنت تتذكر يوم كنت تمر من نفس الشارع عينه وتجلس في نفس المقهى.وكم من منادٍ ينادي عليك..!
وكم من شبه من صديق ظل يقدم لك نفسه كي يخدمك أو يقضي لك مآربك ،لعله يجد السبيل لعالمك كي يستظل بظلك ولعل الشاعر”أبو البقاء الرندي” يذكرك بأيامك الملاح التي عشتها بعشق :
هي الأمور كما شاهدتها دُولٌ //مَن سَرَّهُ زَمنٌ ساءَتهُ أزمانُ
وهذه الدار لا تُبقي على أحد// ولا يدوم على حالٍ لها شانُ
واليوم ها أنت تمشي في طريقك الطويل لوحدك..!
تحتسي كأس قهوتك في ركن مجهول بمقهى معزولة عن العالمين..!
لا يعرفك أحد؛و أمسيت نكرة في حياة جيل جديد..!
ولا أحد يقترب منك كي يبادلك التحية والسلام..!
ولا أحد يريد أن يذكرك بٱسمك القديم..!
صرت كأحد من ساكنة أهل الكهف..!
ولم يبق أمامك إلا أن تخرج ألبومك القديم من الدولاب ، إما لتتفرج على صورك القديمة أو تكذب على نفسك مرة أخرى على أنك ما زلت ذاك الشاعر الفارس الشجاع ، الجبان، الذي يقول عند المواجهة وهو في قرارة نفسه يحاول الفرار فقال له ابنه اتهرب وأنت القائل:
والخيل والليل والبيداء تعرفني // والسيف والرمح والقرطاس والقلم
فعدل شكسبير العرب المتنبي عن الهرب، وقال لابنه (قتلتني بهذا). قتل مع المتنبي ابنه وغلامه.

Share this content: