أي طُعْمٍ ذاك..الذي كان لسردها الجميل..!؟الذي اشتغلت عليه القاصة سلوى الإدريسي في نصها القصير (هلاوس متقاعد)..؟!عبد الرحيم هريوى – جماعة المفاسيس/ خريبكة – المغرب

01// عن ما يفيد به العنوان لغة ومعنى : 

02// بعض من الكلمات عن النص. فلا يوجد نص بكر بل هو امتداد لنص قبله “باخثين”

دعني أكتب في حق نصك هذا بعض من الكلمات الجامعة لرؤية باطنية،لما نعالجه من نصوص عبر تماس بين الذات القارئة والخيال الممتد من المقروء. وما كان له أن يسقط سهوا هكذا؛وبدون تفكير عميق وأحداث تتراءى من أفكار نبنيها بناء قصصي جميل .إنه نص تتحكم فيه لغة الشعر بشكل مكثف،وقد لا نختلف حينما نرى بأن القصة هي نوع من السرد الشعري ،فلعل جملك التي تناسقت عبر تلاقٍ أدبي وفني من تشكيلة قصصية من بناء درامي من الصور والأفكار والشخصيات أعطت للقارئ بجمالية مثيرة جدا عن صورة أخرى حملها النص عينه عن كاتبة قصصية مغربية تبدع هكذا أفكارا، وتخلق لها من الواقع المعاش المادة الأدبية القابلة للحياة بين ثنايا سطور تحدث أصواتا من أجراس كلمات شاعرية تنطق لغة الأدب الحديث ..

يقال فلسفيا : ( إنه من الذاكرة يخلق الوعي) ومنها ننتج أفكارنا عن طريق احتكاكنا بالعالم الخارجي،وما كان للقاصة سلوى الإدريسي بأن تبدع إبداعها الكبير هذا إلا نتيجة ما جمعته ذاكرتها من نصوص سبق لها أن قرأتها برغبة وعشق ،لتصنع لنفسها هالة في عالم التناص الرقمي اليوم، وتنافس بعدها كبار الكتاب في مجال القصة القصيرة المغربية والعربية.والتي قد يتفق النقاد على أن كل قاص وقاصة له اشتغال ما على إحدى مكونات جوانبها الأساسية ؛فهناك من يشتغل على اللغة وتقنياتها ،وهناك من يبدع في التدقيق في الأزمنة والأمكنة.. ولعل القاصة سلوى إدريسي؛ أبدعت لها في الجانب الأهم وهي الشخصية،وبذلك حاولت بطريقة سلسة بأن تجعل القارئ مشاهد مفيد ومهم يشاركها رحلتها الخيالية ،وهو يتابع مسلسل أحداث نصها ” هلاوس متقاعد”عبر أسلوب شاعري من أساليب الكتابة النصية الحديثة في مجال النص القصير والطويل معا.والتي تتنوع حسب النصوص،بحيث قد ننطلق من مشهد نهائي كي نبدأ السرد الحكائي ،أو من خلال وقائع لأحداث مختارة بعناية كي تكون محط ٱهتمام القارئ للإقبال على ما تبقى من السرد،وقد نقول إنه “طعم السرد الشهي” إن صح هذا القول.كما أن الكاتبة بمهارة وحنكة ودربة وتجربة في الكتابة حاولت حصر نصها في عنوان روائي” هلاوس متقاعد” ولم يكن جمع كلمة هلوسة شكليا أو اعتباطيا بل هو تبيان لما يحمله النص من مجموعة من الهلاوس التي سيعيشها هذا المتقاعد المسكين عبر مشاهد حية سيمثل أدوارها على خشبة مسرح أحداث في سطح من سطوح البيوت المجهولة بل المهجورة ..

إنه وصف دقيق وتفصيلي لشخصية بدون ٱسم بل هو الأنا الذي ظل حاضرا في مستهل النص.وحضور تأنيب الضمير وكما يقول ديدرو الإنسان كائن اجتماعي وأخلاقي معا.ولعل الوحدة التي يعيشها كبار السن و التي وصفها لنا جاك برييل / JACQUES BREL –  في أغنيته – المُسِنّون – بطريقة مثالية تحكي ما تحكيه عبر مقاطعها من هذه القصيدة الغنائية ل جاك بريل،و التي ظلت موشومة في ذاكرتنا الجماعية نحن جيل الستينيات..

هم المسنون ومنهم المتقاعدون وعلاقتهم بالقطط التي تؤنس وحدتهم وعزلتهم.وقد كان عند الإغريق  الكثيرون الذين يعتقدون بأنه على الإنسان أن يعيش منعزلا عن العالم كي تكون روحه في سلام.ولقد كانت نظرة فلسفية للسرد القصصي هذا الذي أبدعت فيه الكاتبة سلوى الإدريسي بكفاءة أدبية متميزة، وهي تدون في مستهله ما يلي:

إن انتقال القاصة سلوى الإدريسي عبر مشاهد واقعية متخيلة جعلها لا تفقد ذاك الترابط السردي المعلن بين بداية الحكي والاسترسال فيه عبر صور نالت صبغة أخلاقية أكثر.بارتباطها بالمعتقد الديني وضميره الذي سيمنع المتقاعد من الانضمام لقافلة المصلين لحضور صورة الذنب الذي أعاده لطرح أسئلة تأنيبية كثيرة على نفسه و جعلته يجلد ذاته بطريقة عنيفة جدا.وها هنا تذكرت مشهدا من مشاهد رواية المغاربة لعبد الكريم الجويطي لما سمع البطل الأذان وتراجع عن الانتحار الذي على وشك فعله.وبالفعل هي محاكمة أخلاقية بين الخير والشر الذي يتملكنا بين الحين والآخر وأيهما تكون له الغلبة وينتصر في اتخاذ قراراتنا في واقع الحياة اليومية،واعتراف المتقاعد ذاك لم يأت صدفة بل جاء نتيجة التعلق الروحي لديه عبر ناموس سماوي، بطريقة من الطرق الصوفية التي اختارها صاحبنا المتقاعد لواقعته بل وضعته كاتبة السرد عبر سيناريوا الألم في مشهده الصعب، كمشهد من أنتيغون (سوفوكليس) في تراجيديا يونانية ..

اجتهدت القاصة سلوى الادريسي أي اجتهاد في التوطئة عند البحث لها عن باب مجهول لدى القارئ كي تدخل معه إلى دهاليز قبوها المظلم ،وهي التي تتسيد الموقف؛ وتحمل شمعة في يدها كي تنير للقارئ ما تخفيه منعرجات السرداب، لكن بطريقة مناسبة جدا في دفع السيروم في جسد نصها المعلوم ،والذي تحكمت فيه بطريقة أمسى عجين طري بين أصابعها و طاوعها أشد الطوع اللغوي والجمالي في دخولها لعبة السرد من أي باب شاءت اقتحامه. لذلك جعلت من شخصية المتقاعد عدة شخصيات في شخصية واحدة، وهذا ما كان له أن يكون لولا نباهة الكاتبة وذهابها إلى أبعد نقطة في تغبيش أحداث نصها، بين معاني متداخلة، فيها ما هو قيمي، وما هو روحي إنساني وفلسفي أخلاقي وهي تجعل المتقاعد في موقف المجرم تارة، والمذنب ثارة أخرى .كما أنها استطاعت أن تلعب على عامل السن والشيخوخة والنسيان وضعف الذاكرة وتداخل الأحداث لدى صاحبنا المتقاعد، بحيث تحول النص كشاهد واقعي وحي عن حياة بؤس تنتظر هكذا متقاعد في حياته، إن هو وجد في عالم العزلة والوحدة وانتهى به مطاف زمانه إلى العيش في السطوح كاللقلاق ..وهو يكره صخب وضجيج زمانه الذي نفضه بقوة، ولم يعد قادرا على النزول لأرض الواقع ومجاراة الحياة في مجراها اليومي الطبيعي..!

صدق من قال كل نص يؤسس على مقروء سابق، وكل ما نقرأه قد نستدعيه في لحظة الكتابة ولا ندري من أين سيقدم علينا. فقد نقرأ وننسى، لكنها لحظات استرجاع نعيشها مع مقروء سابق . والقاصة سلوى الإدريسي ما كان لها لتكون بهذا الذكاء الواسع في البناء الدرامي -القصصي، لما كان للكتاب الشجاع ظلها الذي يرافقها في كل رحلة عبر أية كتابة جديدة..!

ميخائيل ميخايلوفيتش باختين ممن قدموا إسهامات معتبرة في هذا السياق، فهو منظر وناقد روسي يعد من أشهر نقاد القرن الماضي، درس أعمال مواطنه فيودور دوستويفسكي دراسة متأنية، ثم أصدر كتابا عنوانه “شعرية دوستويفسكي”، عام 1929، يعد من أفضل ما كتب عن صاحب “الجريمة والعقاب”، شكل من خلاله نظرية نقدية /منقول

Share this content:

  • Related Posts

    “بين غواية الحرف وصرخة الذات “يكتب القارئ المتميز والشاعر المغربي عبد العزيز برعود عن التجربة الشعرية للأديبة المغربية نعيمة معاوية -خريبكة اليوم – المغرب

    عبد العزيز برعود. المغرب تقديم: تتربع الشاعرة المغربية نعيمة معاوية على ضفاف التجربة الشعرية المعاصرة كصوت نسائي متفرد، يكتب من عمق المعاناة، وينتصر للأنوثة والروح والجمال. في قصائدها نلمح نبضًا إنسانيًا شفافًا، تتداخل فيه أبعاد الحب، والفقد، والانتظار، والتمرد، والموت، في مشهد شعري أقرب إلى صلوات الذات في محراب الوجود. وما بين (رقصة موت)1 ، و(أغار)1، و(قيثارة الحب)1، و(لا تسلني)1، وغيرها،…

    Read more

      اليوم ؛ جملة مما دونته على حائطي الفيسبوكي.عبد الرحيم هريوى – خريبكة اليوم – المغرب

    ما دونته اليوم على حائطي الفيسبوكي كتعبير عابر عن ما خالج الكيان من أفكار عن الواقع والبشر والأخلاق وما أفسده الزمان من هكذا سلوكيات   في هذا العالم، لا يوجد خير مطلق ،ولا يوجد شر مطلق ،الخير والشر ليسا كيانين ثابتين ومستقرين ، ولكنها يتناوبان مكانيهما باستمرار .فالخير قد يتحول إلى شر في الثانية المثالية والعكس بالعكس .كانت هذه هي حال العالم…

    Read more

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    You Missed

    “بين غواية الحرف وصرخة الذات “يكتب القارئ المتميز والشاعر المغربي عبد العزيز برعود عن التجربة الشعرية للأديبة المغربية نعيمة معاوية -خريبكة اليوم – المغرب

    “بين غواية الحرف وصرخة الذات “يكتب القارئ المتميز والشاعر المغربي عبد العزيز برعود عن التجربة الشعرية للأديبة المغربية نعيمة معاوية -خريبكة اليوم – المغرب

    لا فرق لنا اليوم بين فريق” الكونغو أوالطوغو أو جزر القمر “فكلهم قد اتفقوا عنوة على إفساد أي عرس كروي ضد منتخبنا وهم  يركنون للدفاع..عبد الرحيم هريوى – خريبكة اليوم – المغرب

    لا فرق لنا اليوم بين فريق” الكونغو أوالطوغو أو جزر القمر “فكلهم قد اتفقوا عنوة على إفساد أي عرس كروي ضد منتخبنا وهم  يركنون للدفاع..عبد الرحيم هريوى – خريبكة اليوم – المغرب

    أين يكمن الوعي لدى القاصة المغربية سلوى ادريسي والي..؟؟ خريبكة اليوم – المغرب

    أين يكمن الوعي لدى القاصة المغربية سلوى ادريسي والي..؟؟ خريبكة اليوم – المغرب

    لا يمكن لأي قارئ أن يمتلك نفسا طويلا في قراءة النصوص الروائية الطويلة والمؤسسة للفكر الإنساني في مجال الأدب..عبد الرحيم هريوى – خريبكة – المغرب

    لا يمكن لأي قارئ أن يمتلك نفسا طويلا في قراءة النصوص الروائية الطويلة والمؤسسة للفكر الإنساني في مجال الأدب..عبد الرحيم هريوى – خريبكة – المغرب

      اليوم ؛ جملة مما دونته على حائطي الفيسبوكي.عبد الرحيم هريوى – خريبكة اليوم – المغرب

      اليوم ؛ جملة مما دونته على حائطي الفيسبوكي.عبد الرحيم هريوى – خريبكة اليوم – المغرب

    جواز سفري لأمصار شتى هو كتاب قرأته..عبد الرحيم هريوى -خريبكة اليوم – المغرب

    جواز سفري لأمصار شتى هو كتاب قرأته..عبد الرحيم هريوى -خريبكة اليوم – المغرب