

من سار بين الناس بالتملق أدرك ما يبتغيه لا لشيء إلا لهوان نفسه عليه فيرضى بحياة الذل، فتنهار ذاته وكرامته مقابل التوسل في كسب ود المسؤول الذي بيده مآربه الشخصية، وطبعا فالمتملق لا يمكنه أن ينتقد أو يحاسب ولي نعمته، لأن في اعتقاده أن غرضه الدنيوي في ملك سيده، وهو الذي يستولي عليه ويتصرف فيه كما يشاء بالنسبة للانتهازي التملق وسيلة آمنة وحيدة للوصول لا سيما إذا كانت قيم الإخلاص والنزاهة غير متوفرة عنده. الشيء الذي يجعل التملق دربه الوحيد المتبع، لأنها الطريقة التي تمهد لنفسه التسلق على الأكتاف، دون اعتبار لمن تضرر ومن سيتضرر، المهم في عقيدته أن يصل لما يريده هو فقط، فغايته تبرر له وسيلته المتبعة، ومصلحته مقدمة على حساب كرامته.
المتملق يحاول إقناع نفسه ظاهريا بأنه غير مخطئ فيما يفعله، ولكنه يظل داخليا واقفا على أرض غير ثابتة، مما يعني استمرار شعوره بعدم الأمان والتوتر في علاقاته فيقتل في نفسه الشعور بالمهانة لحرصه على غرضه الشخصي مما يعني ابتلاعه لكبريائه وقبوله الإهانة التي تمارس عليه.
من الطبيعي جدا أن نثني على شخص نحبه صدقا لذاته لا لما عنده أو لما فيه من مصلحة شخصية لنا، ومن المعقول أيضا أن نعجب بطرح إنسان ما فنمدحه في حدود ما يستحقه، ولكن ما نراه اليوم في واقعنا مهين جدا، وفيه من الابتذال والخنوع الذي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يبرر بمحبة أو إعجاب، لدرجة أن فئة كبيرة أصبحت تؤمن بأن التملق هو أقصر الطرق التي توصل إلى النجاح.وإن كان غير مستحق وتنقصه مقوماته الحقيقية فلا يغرنك الوصول السريع للمتلق، لأن سقوطه أسرع، نظرا لكونه بني على أشياء لا قيمة أخلاقية لها،أي أنه حصل نتيجة الاتصاف بمجموعة من الأخلاق الذميمة المرتبطة بالتملق مثل: الكذب، وقبول الباطل، وتضييع الحقوق، وإقبارا مبدأ تكافؤ الفرص، وفي اعتقادي أن أي شيء بني على هذا الأساس الهش معرض للسقوط لا محالة.لأن بنيانه غير قوي ولا يحمل الصلابة الأخلاقية المطلوبة،وهذا كله يؤدي في النهاية إلى تفشي الفساد وضياع العدل وانتشار المحسوبية.
لا أحد مجبر على التملق ما دام أن ضميره حي ودرجة تقواه مرتفعة، وإن كانت البيئة المحيطة به فاسدة ومشجعة على ذلك،فالنفس السوية لا تحتمل الضيم حرصا على نيل متاع دنيوي ولو كان رهبة، نحن لا نرضى إلا حياة الأحرار، ولا نرضى إلا أخلاق الأحرار.
Share this content: