الرواية اليوم؛ أمست مرآة لشعوب العالم ،وذاك ما ذهب إليه الكاتب والإعلامي عدنان ياسين في نصه “هوت ماروك” عبد الرحيم هريوى- خريبكة اليوم – المغرب

الرواية اليوم؛ أمست مرآة لشعوب العالم. فعبرها يمكن أن نعبر مسافات طويلة عبرالمعمورة ،وللنصوص متعة مرجوة لكل ممتهن للقراءة العالمة، وهي تسهل عليه بأن يسافر عبر القارات الخمس.وبطريقة فلسفية وفكرية يتعرف على شعوب العالم عبر عاداتها و طقوسها، وأعراف عن حياتها ، ومن خلال النصوص كذلك تتسيد الكلمة والعبارة والفصل والمشهد عبر عناوين كبيرة لأقلام عالمية إذ يتم ترجمتها لألسن عديدة..!!

وإذا ما حاولنا أن نعطي الصورة الأدبية والفنية والجمالية من داخل النص نفسه والتي نطلبه كقراء عبر عالم التناص. وعبر اختيارات الكاتب في كل العناصر الأساسية المكونة لهذا النص ،فقد استوطن خياله وفكره في مراكش السياسية والسياحية والرمزية والثقافية..وظل اهتمامه الكبير بالشخصية؛ الذي سوف يعطي للقاريء انطباعا بأن الكاتب نقل اهتمامه من ما ألفه من اهتمام بالشخصية وأدوارها الفكرية والفلسفية والاجتماعية في نصوصه القصيرة سابقا، كي يخوض معركته الكبرى والجديدة بأسلحة أدبية من الجيل الجديد، وقد ابتكرها وأبدع فيها أي إبداع ، كي يكبر في ساحة عالم التناص مع نصه الجديد“هوت ماروك ” لكن ظلال النص القصير ظلت ترافقه لمساحات زمنية، وهو يبحر بشكل عميق في بحر النص الطويل، الذي يتطلب من الكاتب المتميز؛ الصبر والنفس الطويل.ومما سهل عليه أن يتوسع بشكل مستفيض في مرافقة لعرمرم من الشخصيات التي اختار لها أسماء حسب الأدوارالتي ستلعبها في تأثيث هذا النص.فمن المشاكل التي يجابهها الكاتب إبان بنائه للنص الروائي وبعد وضع نموذجه الهندسي المصغر.لا بد من هؤلاء الذين يختارهم المخرج للتشيد والبناء الفعلي للنص على وجه البياض .ولعل الناقد المصري أحمد الضبع كان محقا لما اعتبر أن الرواية المعاصرة والحديثة تكون قد تشبعت بأفكار السينما وعوالمها، وواكبت بالفعل تطورها بشكل من الأشكال،وكذلك استفادتها من الفلسفة المعاصرة في الحداثة وما بعدها، بحيث ليس هناك مركزية في شخصية البطل،فلابد من مشاركة الكل في البناء الدرامي والملحمي للنص.وذاك ما احتله رحال العوينة “السنجاب ” في هذا النص الذي جعل منه الكاتب الشخصية المحورية، وكأن النص لم يأت من فراغ.. وما دمنا نعتبر بأن أي نص كيفما كان، فهو امتداد لنص ما قبله..إذ لا وجود لنص بكر حسب ميخائيل باختين ،وكل كتابة تحمل ظل الكاتب عينه، وحينما نسلك المسار الذي نهجه الكاتب- عدنان ياسين- في كتابه“هوت ماروك ” فقد جعل من ظل رحال العوينة صورة للشخصية المغربية الشعبية الذي يخرج للحياة ويعيش كل الأخطار ويتحداها ليكون في عالم المتناقضات في الواقع المعيش المغربية التي تكبر في الهوامش وتخترق كل المتناقضات ،وتمسي شخصية مهما كبرت في عيون المجتمع جملة من النقص والعقد تحتاج لأكثر من جلسات نفسية كي تعالج من تشوهات أخلاقية ونفسية .ولعل  بنمحمود في نصه الروائي “الحي الخطير” ما كان ليبدعه لولا ميوله الشعرية والواقع الشعبي الصعب الذي تجسده كتاباته ،وهو الذي ولد بدون إخوة، وكان لا بد عليه من أن يكتسب مخالب قطة البحر كي يصطاد السمكة الفضية..!!

والسؤال الذي يطرحه القارئ على كاتب النص “هوت ماروك” هو العلاقة الفلسفية والفكرية بين شخصية رحال العوينة كإنسان غامض ومكروه بطبائعه في كل جوانب حياته العامة والخاصة، وهو طفل يواجه المطبات. وهو طالب يتأرجح بين المد والجزر؛ كطالب جامعي، وكخريج يحول الزمن المغربي العام والمراكشي بالخصوص لكائن سيبراني يقبل على كل الأشياء المحرمة. ولعل الحفر في شخصية كهاته يجعل القارئ يمقته لأفعاله القبيحة والذميمة،و التي لا تمت للإنسان السوي بالشيء.وكأنني بالكاتب عدنان ياسين يكون قد كتب نصه في زمن وباء كورونا. وكان تحت تأثير هذا الوباء . مما جعل كل شخصياته تعيش تحت رحمة قلم الكاتب ،وانتشار العدوى لباقي شخصيات الرواية،و لم يأت ذلك من فراغ.وحين تريد أن تعطي تقييما لسلوكيات هذه الشخصيات المنتقاة في فصول هذا النص.قد تصبح مع مايسمى حشرات المجتمع كما صورها فريدريك نيتشه في كتابه هكذا تكلم زرادشت .فلا أحد منهم يعتبر بقيمه وأخلاقه الاجتماعية وتصرفاته ووجوده من الطبقة العادية اجتماعيا في علاقاتها مع الذات ومع المجتمع والآخر.. فهذه حسنية بن ميمون زوجة رحال التي سترافقه في رحلته الجامعية،وهي تعيش في واد من التقلبات والأسرار الخفية .وهذا اليزيد هو الآخر صحبة رابح يكتب عنه مايلي:

والجديد الغير منتظر في نص” هوت ماروك” كثرة الشخصيات التي شاركته نصه.ولكي تضع كل شخص في مكانه وتتعرف عليه،وعلى الأدوار المأكولة إليه في النص ،فلا بد للقارئ المتمرس من التركيز الكبير والتأني في قلب الصفحات،وأن لا يبتلعه السرد ويمسي ضحية للعبته الخفية، و تتخالط عليك الأسماء وكأنك تقرأ مائة عام من العزلة لـ غابرييل غارسيا ماركيز.كما أن التدقيق في التعريف بخبايا هذه الشخصيات أعطانا بعض المؤشرات على قوة تحكم الكاتب في سيرورة أحداث هذا النص، وتداخلها وتشابكها،وامتداد أحداثها في مسار طويل، وحضورها في فصول وغيابها في أخرى كوالد رحال العوينة الفقيه عبد السلام السرعوف أحد أبناء عبدة وأمه حليمة البجعة ..

ولنا سفر نوعي عبر هذا النص الروائي المغربي بامتياز”هوت ماروك”وبلباس وطقوس شعبية لكاتب يتكلم لغة البسطاء. وقد شرب من الثقافة الشعبية مما جعله لسان حال مجتمع الطبقة المهمشة والفقيرة، قبل أن يخطو بخطوات الشاب الطموح في التحصيل الأدبي والمعرفي وينال نصيبه الكافي من الثقافة العالمة  ..!!

ففي نصه هذا حاول أن يخرج بالقارئ عن المألوف والروتيني في الكتابة الروائية، بحيث حاول أن يذهب بعيدا بخياله الشاعري لأشياء فيها شيء من الإبداع،ولمسة الكاتب الكبير الذي يعيش لحظة الكتابة بأسلوب ونمط جديد فيها نوعا من الغرابة، إذ ألبس شخصيات نصه أقنعة لحيوانات تبعا للأدوار التي ستصدر عنها .فمثلا البطل الرئيسي والمركزي في النص رحال لعوينة،ظهر في قناع السنجاب،وهو يحكي عنه عبر هذا المقطع :

وأما زوجته حسنية بن ميمون ففي صورة وهيئة القنفذة. وأما أم رحال اختار لها من عالم الطيور صفة البجعة إذ يكتب عنها مايلي :

أما والده عبد السلام الفقيه السرعوف” فيقول عنه :

  • هوت ماروك “هي رحلة عبور  عبر الزمن التاريخي والشخصي والاجتماعي والسياسي للكاتب عدنان ياسين في صورة ثانية عن شعب مراكش في فئة مصغرة لها علاقات متشعبة ومتداخلة، وهي تحكي ما تحكيه بلسانها عن كل الظواهر الحياتية للإنسان المراكشي، وهو يعيش الفوضى في هكذا شوارع ومحلات بيع متنقلة في احتلال الملك العام ،وعن عالم لوبي العقار في زمن المغرب الجديد كأخطبوط، وهو يغار على أي مساحة أرضية يجني منها المليارات ،ولو كان ذلك على حساب الجانب الإيكولوجي للمدينة الحمراء:

رواية “هوت ماروك “كانت لسان حال عصرها الرقمي /الالكتروني/المعلومياتي. وقد أعطت عبر فصولها لكل موضوع حقه في سرد حكائي مسترسل عبر حلقات متناسقة،و يمكن للمغربي أن يعيشه في حياته اليومية، ويكون له فيه رأي الخاص انطلاقا من المدرسة العمومية، وصولا للجامعة في زمن الجمر والرصاص والصراع المرير حول السلطة بين النظام واليسار عبر ردحات وحلقات الجامعة ،ومعاناة الطلبة في زمن كان لايرحم أحد :

حاول الكاتب أن يواكب الانفتاح الجديد والانفراج في السلطة الذي عرفه المغرب في سنة2000، بتحول بين في النظام الاجتماعي والثقافي والاقتصادي ،وبروز السبير والهاتف الذكي وبزوغ ثقافة جديدة جاء بها العالم الرقمي في العلاقة التواصلية بين الأفراد والجماعات. وتأثير كل ذلك حتى على الأحزاب السياسية والانتخابات، وما تعرفه من بهرجة وتزكيات وسلطان الجاه والشكارة في التدبير لمرحلة الانتخابات ..ولم يفت الكاتب ياسين عنان بأن يبدع هكذا سيناريوهات عبارة عن صراعات دونكوشوتية بين الأحزاب السياسية المغربية، ويحدث ذلك في وقت واحد . وهي الفترة التي يظهرون فيها ثم يختفي أثرهم من ساحة الواقع المجتمعي المغربي.وهذه الكائنات السياسية الهجينة أعطاها أسماء متميزة ، ولما هو معهود في واقعنا السياسي، كحزب الناقة وحزب الحلزون . وهويسميها هي الأخرى بأسماء من قاموس حديقة حيواناته الأليفة والداجنة…

ياسين عدنان كان موفقا إلى حد كبير،وذلك لما سطره من أفكار جديدة في نصه الجديد، وفيها نوعا من الحضور الميتافيزيقي والوجودي للإنسان المغربي عموما والمراكشي بالخصوص، وما أبدعه بلغة الأدب الإنساني، في هذا النص الروائي الذي يحكي لنا ما يحكيه بلسان شاعر وقارئ متميز عن مراكش المدينة القديمة والجديدة وعن التاريخ المغربي القديم والجديد ..ويكون شاهد عصره كيف تحول جغرافية المدينة من حال إلى حال وسلطان السياسة والاقتصاد والمال وعن اختلاط الأجناس وعن أصناف من البشر ،ولعل السيبير كمحطة رقمية حكت لنا عن أسرار تبقى من الطابوهات الالكترونية مع رحال العوينة. وهو يصول ويجول بحساب لهيام الوهمي مستغلا كل الطرق التي تمنحه المساحة الالكترونية من التواجد الرقمي بأقنعة ابن الشعب وهو يصوغ تدويناته وتعليقاته، واشتغاله مع أي جهة تطلب خدمته رغم انطوائه وتضعضعه ككائن بشري سوي في مسار حياته..

Share this content:

  • Related Posts

    الشاعرة المغربية زهرة أحمد بولحية في محراب قصيدة الصمت..عبد الرحيم هريوى -خريبكة اليوم – المغرب

    الشاعرة المغربية زهرة احمد بولحية تبحث لها عن خيالات بعيدة؛ تتراءى لها..هي عبارة عن أشباح من الصور إذ ترمي بها في كنف قصيدتها وبكل عنفوان يظهر جسدها كي يجاري زمنها المفقود إذ تعيده على عتبات كلمات شاهدة على صمتها المطبق.. -فكيف اختارت لنفسها هذا التحدي الأسطوري وجعلت من الضوء منفذا لصناعة أحلام جديدة يتلمسها خيالها الشعري ، كي يجعل من ذاتها…

    Read more

    في وسط هذا الغثاء..!!عبد الرحيم هريوى-خريبكة اليوم-المغرب

    وكأني؛ بالشاعرة المغربية تورية لغريب،تقول ما قاله دستويفسكي” وكان قلبي يخفق .وكان صدري يحترق احتراقا..! وسط هذا الغثاء..! تعلّم ألاّ تتعلّق بشيء، وألاّ تحلم بعالم نظيف..! فالحزن الذي نما عنيفا، كثّا، في جحيم ليس على مقاسه، مِن الصّعب عليه أن يخبو في هذا الفراغ الهائل، حيث اهترأت ضمّادات السّلم والحبّ وتلاشت لَمعةُ الصّدق…! كيف نتبادل أدوار الحياة، والقلوب لا تهتدي إلى…

    Read more

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    You Missed

    “بين غواية الحرف وصرخة الذات “يكتب القارئ المتميز والشاعر المغربي عبد العزيز برعود عن التجربة الشعرية للأديبة المغربية نعيمة معاوية -خريبكة اليوم – المغرب

    “بين غواية الحرف وصرخة الذات “يكتب القارئ المتميز والشاعر المغربي عبد العزيز برعود عن التجربة الشعرية للأديبة المغربية نعيمة معاوية -خريبكة اليوم – المغرب

    لا فرق لنا اليوم بين فريق” الكونغو أوالطوغو أو جزر القمر “فكلهم قد اتفقوا عنوة على إفساد أي عرس كروي ضد منتخبنا وهم  يركنون للدفاع..عبد الرحيم هريوى – خريبكة اليوم – المغرب

    لا فرق لنا اليوم بين فريق” الكونغو أوالطوغو أو جزر القمر “فكلهم قد اتفقوا عنوة على إفساد أي عرس كروي ضد منتخبنا وهم  يركنون للدفاع..عبد الرحيم هريوى – خريبكة اليوم – المغرب

    أين يكمن الوعي لدى القاصة المغربية سلوى ادريسي والي..؟؟ خريبكة اليوم – المغرب

    أين يكمن الوعي لدى القاصة المغربية سلوى ادريسي والي..؟؟ خريبكة اليوم – المغرب

    لا يمكن لأي قارئ أن يمتلك نفسا طويلا في قراءة النصوص الروائية الطويلة والمؤسسة للفكر الإنساني في مجال الأدب..عبد الرحيم هريوى – خريبكة – المغرب

    لا يمكن لأي قارئ أن يمتلك نفسا طويلا في قراءة النصوص الروائية الطويلة والمؤسسة للفكر الإنساني في مجال الأدب..عبد الرحيم هريوى – خريبكة – المغرب

      اليوم ؛ جملة مما دونته على حائطي الفيسبوكي.عبد الرحيم هريوى – خريبكة اليوم – المغرب

      اليوم ؛ جملة مما دونته على حائطي الفيسبوكي.عبد الرحيم هريوى – خريبكة اليوم – المغرب

    جواز سفري لأمصار شتى هو كتاب قرأته..عبد الرحيم هريوى -خريبكة اليوم – المغرب

    جواز سفري لأمصار شتى هو كتاب قرأته..عبد الرحيم هريوى -خريبكة اليوم – المغرب