القراءة الوجه الآخر لعملة الكتابة – مصطفى لغتيري

أستطيع أن أقول بكثير من النسبية طبعا بأن علاقتي بالكتاب علاقة مزدوجة، علاقة أصل وفرع، الأصل هو القراءة التي راودتني عن نفسي من الصغر، فاستجبت لها ولم امتنع، فقدت-نتيجة لذلك- قميصي من قبل، لهذا كنت ولا أزال أمنحها موقع الصدارة في كل اهتماماتي، أقرأ وأقرأ، ولا أتوقف عن القراءة إلا إذا كنت أعد العدة لقراءة كتاب جديد، وقد تعمق هذا الفعل لدي وازداد ترسخا وعنفوانا حين اخترت أن أمتلك الوجه الثاني لعملة للكتاب، أقصد الكتابة، فما إن تورطت في هذا “الفعل” حتى أصبح بالنسبة لي محرضا ومحفزا على المزيد من الخوض عميقا في هذا العالم الجميل النرجسي، أقصد عالم القراءة، الذي يجعلك تكتفي بمتعته دون باقي المتع، فبفضله تحاور أدباء ومفكرين وفلاسفة لم يتح لك القدر مقابلتهم، أو التطلع إلى سحناتهم الناضحة بحب المعرفة والتوق إليها، بل تستطيع كذلك أن تتماهى مع عوالمهم المتخيلة فتحيا في كنفها لردح من الزمن، قد ينسيك العالم بأكمله بهمومه ومشاغله التي لا تنتهي.

ولجت عالم الكتابة بعد زمن من احتراف القراءة، فزاد عشقي للكتاب، حتى أنني لم أعد أرى لي طيب عيش بدونه أو بعيدا عن دفتيه، وبعد أن كحلت بصري بكتابي الأول انفتح لي أفق جديد، أفق جعلني أخرج من دائرة استهلاك الكتاب فقط، لأنتقل إلى إنتاجه كذلك.

كانت بدايتي مع نشر كتاب في حضن وزارة الثقافة التي أصدرت كتابي الأول” هواجس امرأة” وهو عبارة عن مجموعة قصصية، صدرت لي عام 2001 ، وقد رأت قصصها النور تباعا على صفحات منابر ثقافية وطنية وعربية، شجعتني لجمعها بين دفتي كتاب، وتوالت بعد ذلك الإصدارات ملامسة بإصرار جنس القصة القصيرة والقصة القصيرة جدا والرواية والنقد الأدبي والبحث التربوي وفن الرحلة، وأعد العدة لأدلو بدلوي في جنس الشعر كذلك لأن لي ديوانا جاهزا، أنتظر فقط الوقت المناسب لإخراجه إلى النور، وبعد كتابي الأول الصادر عن وزارة الثقافة المغربية نشرت لي دار نشر مغربية وهي” أفريقيا الشرق” بعض رواياتي، ومنها رواية “رجال وكلاب”، ثم انفتحت على المشرق العربي، فاحتضنت كتاباتي دار النايا السورية، التي نشرت لي أكثر من عشرة كتب، من بينها رواية “ابن السماء” ورواية”امرأة تخشى الحب” ثم جاء الدور على “دار الآداب” البيروتية العريقة التي احتضنت روايتي الأخيرة ” الأطلسي التائه”، دون أن أنسى “دار الوطن ” المغربية التي ازدانت بعض إصداراتي بعلامتها الجميلة، وخاصة رواية”أسلاك شائكة” التي أصدرت طبعتها الأولى وكتاب “تأملات في حرفة الأدب” ومؤخرا الكتاب التربوي “الأدب في خدمة التربية”.

هكذا إذن أجدني قد أوغلت في عالم الكتابة بأكثر من عشرين كتابا، تتوزع على مجموعة من فنون القول والكتابة، لكن هوسي بالقراءة لم يتوقف أبدا، وما زلت إلى يومنا هذا أشعر بكثير من الانتشاء حين أحصل على كتاب جديد وأقضي معه وقتا ثمينا وممتعا، يقتلعني من عالمي الآني ليطوح بي في عوالم عدة متخيلة، تزيد المرء حسنا كلما ازداد لها قراءة.. وفي عرفي المتواضع أن قراءة كتاب دون الكتابة عنه تعد قراءة ناقصة بل هي والعدم سواء، لذا كلما أتيحت لي الفرصة لقراءة كتاب ما أجدني منجذبا لتحبير بعض العبارات عنه، محاولا بذلك التعمق أكثر في سراديبه الخفية، لعلي أقبض على بعض من بهائه ورونقه، فأظفر بمقالات منها ما يحوز شرف النشر ورقيا أو إلكترونيا، ومنها ما أحتفظ به لنفسي، أعود إليه بين الفينة والأخرى لأنعش ذاكرتي بخصوص كتاب أو كاتبه.

في علاقتي بالكتاب هناك بعد ثالث ترسخ في دربي، الذي أخوض فيه منذ أن اخترت الكتابة سبيلا أمضي في شعبه المتداخلة، ويتعلق الأمر بتقديمات الكتب، فلقد تشرفت بكتابة كثير من تقديمات لكتب عدة جاد بها مؤلفون مغاربة وعرب، فأتاح لي ذلك توطيد علاقة أمتن بالكتاب والكتاب، وفي حصيلة اليوم تقديماتي الآن لأكثر من عشرين كتاب من المغرب وفلسطين وتونس والعراق وليبيا، وقد يسر لي هذا الأمر الاطلاع بعمق على تجارب إبداعية، إما مكرسة أو في بداياتها الأولى، مما يجعل الكتاب أكثر حضورا في حياتي بأشكال متنوعة ومختلفة.

كما أن انخراطي في العمل الجمعوي الثقافي فتح لي دربا جديدا في عالم الكتاب، أقصد النشر، إذ أنني أشرفت مع زملائي المبدعين في”الصالون الأدب” بداية، وفي “غاليري الأدب” بعد ذلك، على إصدار مجموعة من الكتب الفردية والجماعية، من أهمها كتاب” أنطولوجيا غاليري للقصة القصيرة جدا.. جيل جديد” وكتاب “غاليري الأدب في فن الهايكو”..

Peut être une image de 1 personne et étudier

Share this content:

  • Related Posts

    جواز سفري لأمصار شتى هو كتاب قرأته..عبد الرحيم هريوى -خريبكة اليوم – المغرب

    ليس كل من يملك جواز سفره الأخضر يستطيع أن يسافر خارج تراب الوطن في ظل ظروف عيش غالية..!!أنا اليوم قد هرمت  فلا أملك جواز سفر ولا قدرة لدي على مغادرة هذا الوطن ..ولن أستطيع لذلك سبيلا حتى وإن حضرت الرغبة لدي.. وعن رواية 1Q84 اليابانية للروائي العالمي هاروكي موراكامي ندون ما يلي فماذا قيل عن السفر عبر قراءة الكتب..؟ وأما أنا…

    Read more

    لقد انتهى زمن الإكليروس الثقافي والأدبي المغربي.كما سماه الشاعر المغربي محمد بنميلود صاحب النص الرائع الحي الخطير .عبد الرحيم هريوى – خريبكة اليوم – المغرب

    الإكليروس الثقافي والأدبي المغربي انتهى أجله ببزوغ قمر الثورة الرقمية ومواقع التواصل الاجتماعي وأمسى من له حساب رقمي مشروع كاتب وأديب وصحافي بدون رسميات وتأشيرات..   لقد ولى زمن الإكليروس الثقافي والأدبي في زمانه الرسمي.اليوم نحن نعيش في عالم الفوضى الخلاقة عبر الشبكة العنكبوتية العالمية والثورة الرقمية ومواقع التواصل الاجتماعي. فلا أحد يمكن له أن يُنَصِّبَ نفسه رئيس تحرير جديد على رواد…

    Read more

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    You Missed

    “بين غواية الحرف وصرخة الذات “يكتب القارئ المتميز والشاعر المغربي عبد العزيز برعود عن التجربة الشعرية للأديبة المغربية نعيمة معاوية -خريبكة اليوم – المغرب

    “بين غواية الحرف وصرخة الذات “يكتب القارئ المتميز والشاعر المغربي عبد العزيز برعود عن التجربة الشعرية للأديبة المغربية نعيمة معاوية -خريبكة اليوم – المغرب

    لا فرق لنا اليوم بين فريق” الكونغو أوالطوغو أو جزر القمر “فكلهم قد اتفقوا عنوة على إفساد أي عرس كروي ضد منتخبنا وهم  يركنون للدفاع..عبد الرحيم هريوى – خريبكة اليوم – المغرب

    لا فرق لنا اليوم بين فريق” الكونغو أوالطوغو أو جزر القمر “فكلهم قد اتفقوا عنوة على إفساد أي عرس كروي ضد منتخبنا وهم  يركنون للدفاع..عبد الرحيم هريوى – خريبكة اليوم – المغرب

    أين يكمن الوعي لدى القاصة المغربية سلوى ادريسي والي..؟؟ خريبكة اليوم – المغرب

    أين يكمن الوعي لدى القاصة المغربية سلوى ادريسي والي..؟؟ خريبكة اليوم – المغرب

    لا يمكن لأي قارئ أن يمتلك نفسا طويلا في قراءة النصوص الروائية الطويلة والمؤسسة للفكر الإنساني في مجال الأدب..عبد الرحيم هريوى – خريبكة – المغرب

    لا يمكن لأي قارئ أن يمتلك نفسا طويلا في قراءة النصوص الروائية الطويلة والمؤسسة للفكر الإنساني في مجال الأدب..عبد الرحيم هريوى – خريبكة – المغرب

      اليوم ؛ جملة مما دونته على حائطي الفيسبوكي.عبد الرحيم هريوى – خريبكة اليوم – المغرب

      اليوم ؛ جملة مما دونته على حائطي الفيسبوكي.عبد الرحيم هريوى – خريبكة اليوم – المغرب

    جواز سفري لأمصار شتى هو كتاب قرأته..عبد الرحيم هريوى -خريبكة اليوم – المغرب

    جواز سفري لأمصار شتى هو كتاب قرأته..عبد الرحيم هريوى -خريبكة اليوم – المغرب