
المفقود في فضاء المقاهى اليوم، هو الكتاب الشجاع الذي ساهم في بناء الحضارة البشرية عبر عصور التاريخ..!
عادة انقرضت بفعل التطور العلمي والتكنولوجي عبر خلق عالم افتراضي رقمي يشبع الحاجيات الاجتماعية كأفراد ومجتمع بما فيها القراءة الطبيعية من الكتاب الورقي،الذي ظل التاريخ الإنساني يشهد له بالشجاعة التي يمتلكها كي ينقذ العقل البشري من الظلام والجهل والقهر والتخلف..
هي عادة انقرضت من جل المقاهي اليوم بعدما تم إقبار الكتاب الورقي ودفنه في الذاكرة الزمانية والمكانية. وكانت المقهى شبيهة بالنادي الثقافي والسياسي، حين خلق جيل من الفلاسفة والماركسيين لا يعيشون حياتهم إلا بالمناقشة والفكر والتحديث وطرح الأسئلة الوجودية المقلقة، في وطن ظل لزمن بعيد بعد الاستقلال يبحث له عن ظل ديموقراطي منتظر،و لا يظهر له أي أثر في غياهب غسق مظلم بين وبين.. ولذلك ظل يعيش صيفه السياسي الساخن بدون آنقطاع ..لما كان المستوى التعليمي لتلامذة وتلميذات المستوى الثانوي التأهلي يعطيك صورة عن مستوى الوعي المجتمعي وما وصل إليه التعليم التعليمي من تطور في العطاء المقبول من كفاءات قل نظيرها اليوم في زمنه الذهبي.وقد يكون كارل ماركس قد صدق في العبارة المشهورة” ليس وعي الناس هو الذي يحدد وجودهم،بل على العكس إن وجودهم الاجتماعي هو الذي يحدد وعيهم”وديكارت يقول :«إنه ليس في وسع الإنسان المتحضر أن يحيا بدون فلسفة»
ففي باحة المقاهي تصادف نماذج بشرية ربما تمر من أمامك وقد لا تعطيها أي اهتمام يذكر..فمنها من احترف التسول ويبدع في أساليب الطلبة عبر قاموس من الأدعية لعله يجد بعض النوال من قلوب رطبة ما فتئت تؤثث فضاء المقاهي بتواجدها المعتاد …
وعادة ما يقتحم عليك عزلتك بائع متجول لا يتكلم بدل البضاعة المزجاة التي يضعها قرب كوب قهوته،وبعد ٱنتهائه من الطواف يعود كي يحملها بدون أن ينبس ببنت شفة..
وهذا بالقرب منك وقد تم الإنزال عبر الباراشوت، منه رهط من الرواد. فلا يتمم مكالمته المزعجة إلا بعد أن يحتج جميع رواد المقهى بمغادرتهم المكان فورا وإعطائه مساحة كافية كي يزعق ما يشاء له أن يزعق..
وقد ينضاف إليه صخب وضوضاء مكالمات متضاربة عبر رنات من هواتف سماسرة في كل شيء بداية من العقار نهاية إلى الدراجات و السيارات ..
والباقي كلهم يعيشون في عالمهم الرقمي الافتراضي، تعودوا في كل ليل ونهار بأن يسبحوا لساعات طوال ،وهي تمر عليهم مر السحاب أو كرحلة جوية عبر عواصم عالمية لا يتكلمون، لا يرفعون رؤوسهم، لا يتحركون إلا عندما تمتلئ المثانة وبقوة قهر قاهر ينسلون كي يتوجهوا إلى المرحاض ليعودوا لإتمام الرحلة الافتراضية،وهم في عالمهم السايبري ،تلك الرحلة السيبيرية التي تكلم عليها بكل جزئياتها الكاتب والشاعر الدكتور عدنان ياسين في روايته الرائعة “هوت ماروك
ونحن نعيش فوق خشبة مسرح للحياة الرقمية الإفتراضية للإنسان في موجته الثالثة بتعبير ألفن توفلرإننا لسنا الآن في مرحلة الشك من دخول الإنسان إلى مرحلة الإنسان الآلة المصنعة ،والآلة الصانعة .. فهل تطوير آلات ذكية في مرحلة مقبلة ستخلق جيلها اللاحق من دون تدخل الإنسان في ذلك؟؟علم اجتماع الآلي

Share this content: