
خطاب جديد على حساب خطاب أصلي، يتم تجاوز أفكاره بالوقوف على طبيعة بنائه وزوايا النظر التي تحيل على معناه ومضمونه. النقد أعتبره حفرا أركيولوجيا في النص، وإعادة تأسيسه وبنائه بجهاز مفاهيمي رصين يعطي للمنطق أولوية خاصة في تماسك بنياته بحيث يصير سورا رصينا صعب التصدع والإنهي
لا يمكننا أن نحصر النقد في مجال معرفي محدد، بل كل الأجناس الأدبية الأخرى تشتغل بالنقد، غير أن موضوعنا هذا، يفرض علينا التقيد بمفاهيمه، حتى نتمكن من تحديد دور الفلسفة في تكوين الفكر النقدي، ذلك أن الفلسفة نصبت نفسها سدا منيعا ضد الجاهز، وهي تؤمن بأن لا كيانات راسخة داخلها بل تطبعها الصيرورة على الدوام، والفكر النقدي بهذا المعنى هو إقامة التمايز بين السذاجة والتأمل، والخروج إلى دروب التفلسف دون إيمان راسخ بأن هذه الفكرة دائمة، بل كل ما ينتجه الإنسان من عمل، فهو موجه للنقد أساسا.
تلعب الفلسفة أيضا دورا هاما في تكوين الفكر النقدي، بإيمانها العميق بأن لكل عصر من العصور إشكالاته الخاصة، ولما كان الأمر كذلك، فالتفكير النقدي يبقى رهانا أساسيا لمعالجة كل إشكال على حدة، دون نسيان ربط الفلسفة بالواقع المادي الذي تتشكل مواده الطبيعية وفق المرور من الوجود بالقوة إلى الوجود بالفعل، عبر عقلنة أدوات الإشتغال لبناء الخطاب النقدي.
هكذا تستطيع الفلسفة تكوين الفكر النقدي عبر ممارسة التفلسف بأدواته المعروفة؛ الدهشة، الشك، التساؤل، ثم الوعي بالذات وبالعالم والفعل فيهما بعقلانية ومنطق.
والفلسفة وهي تعلمنا التفكير النقدي، لا تؤمن بكيانات دائمة أو مفاهيم ثابتة، بل تضع نصب أعينها بأن النص كيفما كانت طبيعته، فهو إنتاج للمعنى و يجب إعادة النظر في هذا المعنى لصناعة معنى المعنى أو الجدوى من إنتاج الخطاب وفق ما يطرحه الواقع الإنساني من تحديات.
Share this content: