
عبر كلمات وازنة وثقيلة في الصياغة والمعنى، سنعيش لحظة حميمية في عناق أسطوري عبر قراءتنا لشهادة الشاعرة المغربية و المبدعة تورية لغريب Touria Laghrib في حق القاص المغربي سعيد رضواني
وإن أهدتك الحياة فرصة اللقاء بأشخاص مميزين، فليس من اليسير أن تتحدث عن الأثر العالق في سيرتك المكتظة بالوجوه، عن أسماء منحوتة بماء الذهب، لطالما اهتديت ببريق حضورها في مسار مضن ، فكيف تسعفني الحروف الراكدة إن كانت الكلمة في حق إنسان بقيمة وقامة سعيد رضواني الإنسان والمبدع ولو أنّ شهادتي مجروحة فيه…
ثم ما الذي يعطي للكتابة بعدها الإبداعي، إن لم يكن الإنسان فينا قد تأسس بإسمنت القيم النبيلة التي ميزتنا طويلا عن باقي كائنات نتقاسم معها العيش فوق سطح هذا الكون، وبالرغم من تساقط الأشياء الجميلة خلال رحلة الحياة ونحن نتدافع رأسا نحو باب المصالح الزائفة الزائلة، ولأن الأرض رقعة لصراع أبدي بين كل الثنائيات: الخير/ الشر، القبح/ الجمال… فإنّ مِنّا مَن أصرّ عن قناعة كبيرة، على أن يظل مُجسّدا لهذه القيم، مؤمنا بأنّه فاعل أساسي في ترسيخ أسُس الجمال، وقائد لسفينة الحياة نحو مرفأ الخلود الذي لا يمكن أن يكون إلا نُبلا برزت ملامحه في الكتابة الأدبية، كأثر لا ينمحي فوق رقعة التاريخ…
الإنسان والمبدع، الصفتان اللتان لا يمكن فصلُهما ونحن نتحدّث عن شخصية نادرة : سعيد رضواني صانع الدهشة داخل مرايا الخالدة، الرجل الذي شيد أبراجا من ورق بأسمنت اللغة، وهو نفسه المهندس الذي رسم بحنكته العالية قلعة للمتاهات، فشدَدنا الرّحال إليها مشدوهين أمام إبداع متميز وتواضع لا تخطئه أقلام النقاد الجادّين…
مامِن حدّ فاصل بين سعيد الكاتب وسعيد الإنسان، بركانٌ خامد من الإبداع المنقطع النظير، قد يتفجّر في أية لحظة، ثم ما يفتأ يبهر القارىء بأخاديد ما ينسجه من دُرر تُترجم الكثير من التأمل، من الحسّ العالي و من عُصارة ثقافة وارفة تتخطّى مجال الأدب إلى مجالات أخرى، ولأنّ الإبداع إيمان راسخ بقوّة الإنسان فينا، فإن سعيد رضواني مرآة للنبل الإنساني الذي تصبو الفطرة السليمة إلى اعتلاء درجاته، هكذا شهدتُ مواقف النّبل الآسر فيه، والتي قد تصل إلى حدّ الإيثار، وهو الأمر الذي يُقرّ به كل المقرّبين منه، وأزعم أنني من الأصدقاء القلائل الذين تسلّلوا بفضول حذر إلى كواليس الكتابة الإبداعية لدى سعيد رضواني، فإن كان لكل شخص طقوسُه التي يقوم بها للدخول إلى محراب الكتابة، فإنّ سعيد رضواني، هو صانع هذا المحراب الذي يسع فوضاهُ العارمة الخلاّقة، وكأنّ اللغة لا تتحرّر مِن كبريائها إلا في المكان الذي ينكبّ فيه على الكتابة، هنا فقط ينفصل سعيد عن الواقع لِتَجِدَ المخيّلةُ الخصبة مرتعا لها داخل مساحة محدودة ظاهريا. هنا فقط، ينتشي التقابل والتناظر، يصير الزمن خارج الزمن، يحتسي سعيد قهوته الصاخبة خارج مواعيدها ، يقذف بالمتعارف عليه في طقوس الكتابة خارج عالم لا يملك حدودا سوى خارطة عمل محكمة هندسة ولغة، هنا يصعب على كل مَن سوّلت له نفسُه جَرّ سعيد رضواني إلى واقعنا البليدةِ تفاصيلُه، إلى تواتر الليل والنهار…فقد أحكم مبدع الروائع إغلاق كلّ منفذ يسلبُه التّحليق خارج الزمن…

Share this content: