

كانت القراءة هاته رحلة ليست بالقصيرة، صحبة نص عالمي لسرفانتيس، الذي قلب الهندسة الروائية الأوروبية والعالمية،و التي ألفها كل بالزاك وفيكتور هيغو. وما ألفه القارئ الإسباني من حكايات وأساطير تضرب في عمق ما وراء المرئيات والغيبيات، عبر عوالم يتم صناعتها عند الطلب في ما قبل وصول صاحب رائعة دون كيشوت دي لامانشا لقوالب جديدة في عالم النص الروائي .لذلك جل النقاد يعتبرون هذا النص بداية جديدة في كتابة غير مألوفة في الأدب الأوربي خاصة والعالمي عامة..ولعل الفترة التي قضاها في السجن كانت كافية لسرفانتيس كي يبدع للعالم طريقته الجديدة في جعل الرواية والفلسفة منفتحتين على جميع العلوم.ومن يرد أن يكتب الرواية اليوم ،والرواية الجديدة بالخصوص في فرنسا فقد أمست شبه مغامرة في الشكل والمضمون معا.والتي اعتبرت عنوانا للكاتب الفرنسي ” روب – غرييه” فما دام الروائي في الزمن الحديث يريد أن يكتب عن الإنسان والمجتمع والتاريخ والحياة ،فلا بدله بأن يكون على إطلاع كبير في مجالات وميادين وعلوم وفروع معرفية كثيرة،سواء في التاريخ والفلسفة والسوسيولوجيا والأنثروبولوجيا وعلم اللسانيات واللغة وباقي العلوم التي تهتم بالطبيعة والكون والإنسان ..رواية دونكيشوت تعتبر رواية إسبانية بامتياز، وأمست من النصوص العالمية المؤسسة للفكر والأدب الإنساني.وعادة ما تجد أن كتابة النصوص العالمية يطبعها نوعا من الأسلوب الأدبي الجميل ،وتحمل ثقافة ووعي الكاتب وما يذهب إليه من تصورات وما يطرحه من إشكالات وأسئلة وجودية في رواية تحمل من الظلال الثقافية وسوسيولوجية المجتمع الإسباني ما يكفي وتجد ذلك في وسط أحداث أقرب منها للخيال عن الواقع ـ وكأنك تعيش الفروسية العالمية مع بطلها دون كيشوت في غير زمانها .وما هي إلا صورا التقطها من كثرة الكتب التي قرأها. وهو معتكف في بيته كي يعرف قوانينها وأحكامها وشروطها. وفي النهاية يخرج للواقع صحبة صديقه من أجل ركوب المخاطر عبر جنون وحمق لا يصدقه أحد في زمنه إلا البطل طبعا.مما يجعل فصول الرواية وكأنها تقع في كوكب آخر غير الأرض، بكل أحداثها وشخوصها وعوالمها الغريبة غربة البطل في نصه.وكل تلك الفوارق والخوارق أعطت للنص قيمته الفنية والجمالية ،وبوأته منزلته الكبرى كنص عالمي استطاع أن ينال الوسام الذهبي .ويحافظ على تواجده عبر تاريخ الأدب الإنساني..
Share this content: