

من هنا لم تكن للثقافة -كسائر ضروب المعرفة- مدارس أو جامعات منظمة ببرامج وأساتذة ومقررات ومناهج ،وإنما هي جامعة حرة في الزمان والمكان ،يمكن أن تشمل الحياة جميعها، دون أن تتوقف عند معلم من معالمها لتطلب من المثقف- أو السائر في طريق الثقافة – امتحانا ليأخذ بها إجازة أو شهادة عليا،تسلك به في عداد المثقفين..الأنانية تخنق الثقافة وتضيق الخناق على المثقف،بقدر ما يجعل منه الانفتاح على الآخرين رائدا للفكر في وطنه.لا مفهوم للثقافة …عبد الكريم غلاب عضو أكاديمية المملكة المغربية..
فماذا عن الأدب والثقافة التحررية في سماء تواجدنا الرقمي وتهافت المتهافتون عبر مواقع التواصل الاجتماعي على كل شيء شيء،و بدون انتقاء ولا حس نقدي ولا طرح ومناقشة للأفكار ..؟؟ فهناك من يوظفها للدفاع عن قضايا مجتمعه ومدينته وتراب أرضه ،وبالأخص الحارة التي عاش وولد فيها حسب تعبير الروائي الأرجنتيني روبيرتو آلتر. ويكون ذلك عبر نصوص تحمل من الاشعاع الفكري الحديث و الإبداع الفني من أجراس للكلمات الوازنة والثقيلة في موازين المعانى والمغزى ، ويكون له من الكفاءة الأدبية والفنية في شتى فروع وأغراض الأدب الإنساني، مما يعطيه مكانة ما يطلبها بصدق في عالم المخاطرة أي -عالم الكتابة- التي يصدق فيها قول جبران خليل جبران:” لبيك للخطر حينما ينادي..!!!” لأن الكاتب الملتزم بالحرف وروحه وبمصداقية ،قد يفتح عليه نيران مستعرة من شتى الجبهات…والكاتب الكفء الملتزم الذي يحمل هكذا قناعات شخصية وفكرية؛ فلا بد له من أن عند كل نص يغامر مغامرة وجودية صلبة نحو المجهول. وصدق باخثين :”فليس هناك نص بكر بل كل نص فهو امتداد لنص عما قبله”والكاتب الذي تتوفر فيه شروط الكتابة العميقة الفكرية والفلسفية ،فهو صوت مدينته .. وصوت بؤس واقعه.. وصوت معاناة مجتمعه ،ويتجسد ذلك بالطبع في ما يقدمه لجمهور قرائه مناصفة من النصوص المتفردة، المتميزة ،الدافئة ،والتي تخلق لدى قرائها طرح السؤال الوجودي،وتخلق في دواخلهم ذاك القلق الوجودي في ظل ظروف ملتبسة، وتلك الدهشة المثيرة للجدل والتي تدفع لاستعمال طاقة الفكر” الشعر الجيد هو الذي يدهش ” بودليير ..وهناك فئة ليست بالقليلة ما فتئت توظفها التوظيف البيزنطي الذي لا يخرج عن عالم المنفعة البرغماتية ،في وقت يقول الكتاب الكبار “الحرف لا يطعم من جوع “وكل نصوصه وكتاباته تصب عن سبق إصرار في تلميع صورته وشخصه بكل الطرق والاقتراب من أصحاب الشأن و السلطان،وحتى ولو تظاهر بغير ذلك،لأنه يصبح مفضوحا في وسطه الأدبي والثقافي ،بل تشير إليه البنان من بعيد ومن قريب ،بل تراه يخبط خبط عشواء كل اشتد حر طقسه،وتحولت سماؤه لغيوم داكنة،وعادة ما تعطى لصورته الكاريكاتورية أصباغ من ألوان قوس قزح،لأنه لا يتوانى في البحث عن مصالحه الشخصية اولا أو أن يجمع له ثروة من أتعاب مقابل ما فتيء يلمع من وجوه وما يكتبه من مقالات ثقافية سياسية اجتماعية ولو على حساب مستقبل أرضه ومدينته، وهؤلاء يعيشون بثقافة خبزية محضة بل يصبحون يحملون علامة ثقافية لماركة محلية مسجلة، وعادة ما يخوضون في مواضيع تزيد من التضبيع والتفاهة أو ما يمكن أن تجمعه من أخبار السوق عن تلك الجريدة الورقية في ذاك الزمان الغابر الذي ولى.ز عكس من نخبة قادرة على مقارعة المطبات والأزمات والتراجعات في شتى مناحي حياة المواط البسيط ، فهؤلاء كالفلاسفة فهم قليلون لكنهم بألسن أيديهم مؤترون بعمق، لأنهم كالمتصوفة يحفرون في مكان واحد بحثا لهم عن منطلق النبع.. وهم الذين يحملوت على عاتقهم رسالة ثقافية وأدبية نبيلة والمساهمة بحق في وعي مجتمعي وثقافي وسياسي يساهم في نقلة نوعية لحياة البشر عبر جغرافية الوطن..
Share this content: