قراءة أدبية وفنية لنص نثري “كم هو ضائق ..!للشاعر المغربي أحمد نفاع في ألفته مع السؤال الوجودي “أريد “ك” أن تعرف..!؟هريوى ع الرحيم – خريبكة اليوم -المغرب

وأنا أقرأ هذا النص الرائع والجميل ،الذي جذبني إليه جذبا شعريا..وأعدت قراءته بتأن ؛ لا لشيء سوى لكي أسبح بخيالي وأتقصى خيالاته البعيدة للكلمات التي لبست كل الألوان المثيرة للبصر لدى أمبراطور الطفل في قراءة فلسفية عميقة …

والمثير في المساحة التي احتلتها الكلمات هي الشكوى والألم الدفين الذي ما يبرح يدفعنا بقوة للكتابة والبوح وتنظيم موسيقى من الكلمات وتدهش على حد قولة بودلير “الشعر الجيد هو الذي يدهش “وتطرح كل قلق استثنائي لدى القارئ الذي يغوص في معاني الألفاظ والصور المرسومة بخيال الشعراء تهز الوجدان والعواطف هزا يرتجف به الفؤاد بزلزال عميق الغور بمساحات ..!!

أي روح تلك التي تتحمل وتصبر، لما تعيش ما تعيشه من الهزات العنيفة، وللحظات ألم وجراح ،تحز في الكيان الباطني في البوح الصادق للشاعر، وتقابل بمزيد من التحمل التراجيدي وقاموس من لغة الصبر..!!

ويمضي شاعرنا وهو يغترف بثقافة الكبار من لغة تحمل كل الرموز والتشبيه والإيجاز، كي يعطي للشعر مساحة من صورة من الثقل الأسطوري :

كما لو أني

ألتحِف معاطفَ

من حَجر

أي إبداع هذا ..!!وأي تصوير لغوي ذاك ..!!؟ إلا من قال لا يكون الشاعر شاعرا إلا حينما يمتلك ناصية ثقافة اللغة..!!

..فما زال الشاعر في وصف دقيق للمعاناة والمكابدة النفسية والضربات الموجعة و المبرحة للذات العميقة.. وبوصف استعاري بليغ في صور خيالات من عالم البحر وأهواله ،وهي تقلبات الأيام كالأمواج ،واشتداد العواصف ،وهو يعيش في مملكة الصبر والتحمل وتعاقب الأعاصير ،ولأن سوط القدر ذاك له كلمة المفصل في كل ما يعانيه ويعيشه ،وهو الذي يعيش فصولا من المعاناة وبروح الاستسلام وتقلبات صروف الدهر..!!

أُدمِنُ ..

ولا أتبرم

من سَوط القَدر

تجرفُ الأعوام مراكبي

فأداري رشقات

الموج

مُواريةً أترك نوافذي

ما زال شاعرنا يحمل في خياله صورة للمخاطب ذاك ..و في صورة المشتكي عليه، أو المنصت؛ السامع لشكواه ،وهو في عالم أحلامه الصغرى والكبرى. وهو يراقص الملائكة الصغار على حد تعبير محمود درويش ،وترافقه لغته السلسة بكل تلويناتها وهو يغرف من آبار حنين حلم لا ينضب..وينتقل للإعجاز اللغوي مستعملا لغة التمني: ووددت لو أني أتدلى وسط الأعماق من أجل الترانيم بلغة الشعر ،والترتيل من قاموس الألم بلغة الشعر ،الذي أجد فيه عزائي وأشاركك معي في كل سمفونية أبدعتها بموسيقى الكلمات..!!

وأغرِفُ من آبار

حنين حُلم

لا يَنضَب

وكم وَدِدتُ

لو أتدَلَّى وَسط الأعماق

وأُرتل غَصاتي

لنفسي

ولك

ويبقى مستمرا في تراجيديا حوار مع الآخر ؛ أي ذاك الظل الذي يشاركه ملف حياته الصعبة،وهو يحكيها قصيدة شعرية ، وبفصول تراجيدية ،وفي طريق الخريف الجارف للكيان وللروح المجروحة ،ويتوقف بتشبيه موسيقى من الطبيعة التي يجد فيها عزاءه:

وكم

يَستهويني

حفيفُ قديم الأوراق

وها هو ؛ يعيد الصياغة بسياقات أضداد مجازية بين ما يستهويني في الأولى، ويحزنني في الثانية، لعلها ما قالها محمود درويش في صورة رقصة البجع الأخيرة في سيناريو القصيدة ،والشمعة ظلت رفيقة الكتاب والكتابة والإبداع والموسيقى، وذلك لطبيعتها الرمزية في تدمير نفسها من أجل الإضاءة والتنوير وقهر الظلام وبعشق..!

وتحزنني رقصة

شمعة تفنى

بِعشق

وكم الثانية في الفصل الأخير- تفيد التدقيق والتعجب اللفظي البعيد-من هذا النص، و حملت معها أثقال كل جبال الصبر، ذاك المدفون بين جوانح الذات المعذبة،وفي الصورة الكبرى -معطاف الحجر – وكل لوم وعتاب للظل الخفي-أريدك أن تعرف..!!-و الذي تلمسه الشاعر ولم يفصح للقارئ عن اسمه ،فكيف لهذا الكائن الآخر بأن لا يعشق أجراس الكلمات من الشعر،ولماذا كل هذا الإمعان في الغياب وهذا السفر..؟؟

وكم

هو ضائِقٌ

ألا تسمَع لازِمتي

أيها المُمعن في الغياب

المسكون بغابر

السفر

النص للشعر المنثور المستهدف من القراءة الأدبية والفنية..

-كم هو ضائق..!!

Share this content:

  • Related Posts

    “بين غواية الحرف وصرخة الذات “يكتب القارئ المتميز والشاعر المغربي عبد العزيز برعود عن التجربة الشعرية للأديبة المغربية نعيمة معاوية -خريبكة اليوم – المغرب

    عبد العزيز برعود. المغرب تقديم: تتربع الشاعرة المغربية نعيمة معاوية على ضفاف التجربة الشعرية المعاصرة كصوت نسائي متفرد، يكتب من عمق المعاناة، وينتصر للأنوثة والروح والجمال. في قصائدها نلمح نبضًا إنسانيًا شفافًا، تتداخل فيه أبعاد الحب، والفقد، والانتظار، والتمرد، والموت، في مشهد شعري أقرب إلى صلوات الذات في محراب الوجود. وما بين (رقصة موت)1 ، و(أغار)1، و(قيثارة الحب)1، و(لا تسلني)1، وغيرها،…

    Read more

    أفكار وتأملات عن قراءة كاشفة عن ظلال خفية لنص قصصي قصير “فوق  خطوط القدر”عبد الرحيم هريوى – خريبكة اليوم – المغرب

    في قراءة أخرى للنص القصصي القصير “فوق خطوط القدر” للقاصة والقامة الأدبيةالمغربية سلوى إدريسي والي صوت طنجة الأدبي  قال “تنغو” : بطل رواية هاروكي موراكامي 1Q84«عندما أكتب القصة ،أستعين بالكلمات لتحويل المشهد المحيط إلى شيء أكثر طبيعية من وجهة نظري.بعبارة أخرى ،أعيد بناؤه.بتلك الطريقة ،يمكنني التأكد دون أدنى شك أن هذا الشخص الذي هو «أنا»موجود في هذا العالم..» قلم نسائي مبدع…

    Read more

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    You Missed

    “بين غواية الحرف وصرخة الذات “يكتب القارئ المتميز والشاعر المغربي عبد العزيز برعود عن التجربة الشعرية للأديبة المغربية نعيمة معاوية -خريبكة اليوم – المغرب

    “بين غواية الحرف وصرخة الذات “يكتب القارئ المتميز والشاعر المغربي عبد العزيز برعود عن التجربة الشعرية للأديبة المغربية نعيمة معاوية -خريبكة اليوم – المغرب

    لا فرق لنا اليوم بين فريق” الكونغو أوالطوغو أو جزر القمر “فكلهم قد اتفقوا عنوة على إفساد أي عرس كروي ضد منتخبنا وهم  يركنون للدفاع..عبد الرحيم هريوى – خريبكة اليوم – المغرب

    لا فرق لنا اليوم بين فريق” الكونغو أوالطوغو أو جزر القمر “فكلهم قد اتفقوا عنوة على إفساد أي عرس كروي ضد منتخبنا وهم  يركنون للدفاع..عبد الرحيم هريوى – خريبكة اليوم – المغرب

    أين يكمن الوعي لدى القاصة المغربية سلوى ادريسي والي..؟؟ خريبكة اليوم – المغرب

    أين يكمن الوعي لدى القاصة المغربية سلوى ادريسي والي..؟؟ خريبكة اليوم – المغرب

    لا يمكن لأي قارئ أن يمتلك نفسا طويلا في قراءة النصوص الروائية الطويلة والمؤسسة للفكر الإنساني في مجال الأدب..عبد الرحيم هريوى – خريبكة – المغرب

    لا يمكن لأي قارئ أن يمتلك نفسا طويلا في قراءة النصوص الروائية الطويلة والمؤسسة للفكر الإنساني في مجال الأدب..عبد الرحيم هريوى – خريبكة – المغرب

      اليوم ؛ جملة مما دونته على حائطي الفيسبوكي.عبد الرحيم هريوى – خريبكة اليوم – المغرب

      اليوم ؛ جملة مما دونته على حائطي الفيسبوكي.عبد الرحيم هريوى – خريبكة اليوم – المغرب

    جواز سفري لأمصار شتى هو كتاب قرأته..عبد الرحيم هريوى -خريبكة اليوم – المغرب

    جواز سفري لأمصار شتى هو كتاب قرأته..عبد الرحيم هريوى -خريبكة اليوم – المغرب