

كم نجد من فرص يتيحها لنا الشعر كي ننتفض من وسط ركام حياة، قد نحمل فصول مسرحيتها في سيناريوهات من الشفرات والرموز بلغة الشعر..للشعر والشعراء وجودهما النوستالجي في لحظة من لحظات استحضار من الإشباع اللفظي المبين و بمعانى نطلبها لأنفسنا قبل القارئ عينه..لذلك كلما قرأت الشعر تهت في الاستماع لموسيقى الكلمات بعيدا عن صوت النغم،و قريبا من ذات الشعر؛ صحبة الشاعر المغربي أحمد نفاع الذي عاشرت بوحه لمساحة زمنية. وتيقنت أن ذات الشاعر تحمل في أعماقها ذات الفيلسوف عبر السؤال والبحث عن الحقيقة عبر الكلمات -ميشال فوكو- وذاك ما يبدعه عبر لحظة وجودية عميقة من الامتداد اللامتناهي عبر خطوط متشابكة من جروح وأحزان -لا نعلمها بل الشاعر يعلمها- ..
وأنا
أغوص
في الأعماق
أُجبِر نفسي أن تنصهر
مع فطيرة الطين
أنسج همساً
يخفق
أنسى
وأبتسم
لي ولكم أقول
لا
حقيقةً
تلبسُ سواد السواد
لتتنكر
كلُّ
الأسماء
التي تعلمتها
كُتبت بصمغ قديم/ أنيق
أقرأها كما حكاية
تقضم جائع
الخيال
إن الشعر يحمل ظلالا ثقافية لصاحبه .فلا يمكن أن نتطفل على الشعر ونحن لا نستشعر بأننا نحمل في دواخلنا شاعرا صغيرا يريد أن يكبر معنا عبر السفر الشعري في رحلة اعتبارية، فلا وجود لمحطة نهائية نتوقف عندها لجمع الأنفاس و للاستراحة ..ولماذا قالها الشاعر الفلسطيني محمود درويش :
“لا شيءَ يُعْجبُني”
يقول مسافرٌ في الباصِ – لا الراديو
ولا صُحُفُ الصباح, ولا القلاعُ على التلال.
أُريد أن أبكي
لا شك؛ بأن للشاعر لحظات يعيش فيها لذاته ولو هو صامت لا يتكلم.. فحياته قصائد مكتوبة وغير مكتوبة ،وسلاحه الكلمة التي يدافع بها عن حصون قلاعه لما يستشعر بالتعب بالقلق والإرهاق السيكولوجي ؛بالخوف؛ بسوء التقدير.. فيعانق بتلقائيته المعهودة و بحميمية قصيدته التي يجد فيها ضالته..قد نكتب الشعر حينا وهو الذي يكتبنا في كثير من اللحظات -وصدق الفرنسيون في مثالهم “le corbeau chante avec le temps” لذلك قرأت ما قرأت من هذا النص وأردت أن أرى حقيقة في سماء قصيدة للشاعر أحمد نفاع،وهو يكتب بلسان يده. لما لم يوفره اللسان عينه عن النطق به عبر تعبير جمالي وفني يشفي غليل ما سيحمله الجوف من نذوب قد لا تبرأ مع مر الزمان.ولذلك ذكرني شاعرنا أحمد نفاع بما قرأته اليوم عن أحد أبطال رواية” زينة الدنيا” لحسن أوريد وهو يروي عن”زيري” “كان جسمه يرتجف .جزء منه يموت،يموت من اقترن به.كان يقيم مأتما لنفسه من دون معزين.لن يستطيع أن يطلع أحدا على سبب حزنه وسقمه..”إنها لغة الأدب حيثما تتشابه عبر أغراضه..فلغة الحزن وما يكمن في أغوار الذات يتولد بصيغة الخطاب الشعري ،الذي يكتب بلغة من ثقافة الشفرات والرموز ويعجز غير قائله أن يفهم المبتغى والمقصود كحقيقة من خلف زجاج واجهة الذات..الشاعر ؛وهو يتذكر لنفسه من مطبات الحياة، حين يشارك القارئ بمواعيد الحزن والجروح الغائرة في الذات المكلومة.. وبتجسيد مثالي بلغة الدموع، والإقناع،والتحدي،والدعم والمساندة -أنتظر عابرا لكي يدلني عن وجهتي..أنا الميت الحي..ويكبر في الفزع من الرحيل..-كلها آهات دفينة منبعثة من ذات تتألم عبر ما جمعته صفحات من ذاكرة تترجم بلغة رموز الشعر..ويبقى الرحيل لحظة خوف وجودية تحمل من القلق ما يجعلنا نتساءل عبر رسائل مشابهة بلغة عنيقة للفيلسوف اللاتيني “سينيكا” لصديقه لوسيوليوس كي يثبت على الحق،ويلتزم سبيل الحكمة وأن يعرف وجهته.لأن الذي لا يعرف وجهته لا تواتيه الرياح كما جاء في نفس الرواية لزينة الدنيا..”ويبقى خروج الإنسان لهذا الوجود جاء بإرادة قوية خارج عن إرادته.ولما وعى بوجوده واطمأن لها على وجه الأرض ،تنبه أخيرا بأن الرحيل يبقى علامة استفهام له قد تؤرق كيانه:”ويكبر فِيَّ الفزع من الرحيل .بين الخوف وسيول الدعاء وتسكن وجودي الحمى”
تذكرني بمواعيد
بعينين واحدة تدمع
وبالأخرى
لا
تخدع الفجر؛
وعَلي أن أُقنِع نفسي
أني ما أزال حياً
لم أمُت بعدُ
وأني
كمن يتسلق ..
أسري، أصغي وأرى
أتوَسد أحجيات مكسورة
أنام
لا أفكر ..
وأبقى بعيداً
أنتظر عابراً ليدلني عن وجهتي
وأتوق لأعثر عني
بلا ثبوت
ميلاد
أنا الميت / الحي
بلا بَحاتٍ
بلا
اسم
ويكبر فِيَّ
الفزع من الرحيل
بين الخوف وسيول الدعاء
وتسكن وجودي
الحمى
وأنا
أغوص
في الأعماق
أُجبِر نفسي أن تنصهر
مع فطيرة الطين
أنسج همساً
يخفق
أنسى
وأبتسم ..
لي ولكم أقول
لا
حقيقةً
تلبسُ سواد السواد
لتتنكر
كلُّ
الأسماء
التي تعلمتها
كُتبت بصمغ قديم/ أنيق
أقرأها كما حكاية
تقضم جائع
الخيال
تذكرني بمواعيد
بعينين واحدة تدمع
وبالأخرى
لا
تخدع الفجر؛
وعَلي أن أُقنِع نفسي
أني ما أزال حياً
لم أمُت بعدُ
وأني
كمن يتسلق ..
أسري، أصغي وأرى
أتوَسد أحجيات مكسورة
أنام
لا أفكر ..
وأبقى بعيداً
أنتظر عابراً ليدلني عن وجهتي
وأتوق لأعثر عني
بلا ثبوت
ميلاد
أنا الميت / الحي
بلا بَحاتٍ
بلا
اسم
ويكبر فِيَّ
الفزع من الرحيل
بين الخوف وسيول الدعاء
وتسكن وجودي
الحمى
-ويخرج الشاعر من ضائقته كي يبحث له عن من يعزيه.. وعن من يشاركونه دموعه الجافة والناجون منهم بلا طوق “وكأنه الخلاص المنتظر الذي ينشده منهم ومن قصيدته التي يشد بها أزره” وهو في لحظة رجاء يبحث عن كل شيء جميل غير معلن منحته إياه الحياة وهي في صورة شمعة في يده وقصيدته المزهرة بلا عنوان
و
أنتم
أيها العاطلون بدمعات جافات
الناجون بلا طوق
أريدكم .. /
وكم يسعدني
أن أتقاسم معكم
ما منحتني إياه الحياة
شمعة في يد
وقصيدة
مزهرة
بلا
عنوان
قد لا يروقني طريق الخواتم والنهائيات في عالم النص ،ولا يوجد بناء لأي نص بدون مقرؤء سابق يؤطره أو يحمل ظلال ثقافية من ذاكرة قد تكون عند بعضنا كمكتبة نحملها كما عبرت عن ذلك الشاعرة والروائية المغربية زهور كرام..ففي الفلسفة ليس هناك خاتمة ولا نهاية بل هي أضواء نلمحها في نهاية النفق فالشاعر المغربي أحمد نفاع عن دربة وإطلاع يعطي للقارئ متعة في قراءة النص الشعري المنثور الذي قالت في حقه الناقدة المغربية حورية الخمليشي:-لقد وصلت قصيدة النثر إلى مستوى عالٍ من الإبداع عند يوسف الخال مثلاً ومحمد الماغوط وأدونيس وأنسي الحاج وغيرهم من الشعراء”– وقام الشعر المنثور على أساس نثري باستخدام موسيقى الفكر التي تعتمد على التوازي و الترادف والتقابل والتنظيم التصاعدي للأفكار ،إلى جانب تكرار السطور والكلمات والأفكار في مجموعات متنوعة وذلك تقليد للشعر الحر الذي يكتبه الإفرنج”
عن نص / تراتيل
أحمد نفاع

Share this content: