قراءة نقدية لقصيدة الشاعر عبد الرحيم داني (ذات مساء)

قراءة نقدية لقصيدة الشاعر عبد الرحيم داني (ذات مساء)

(ذات مساء) عنوان القصيدة ؛ مركب من (ذات) منصوب على الظرفية صفة لاسم محذوف تقديره : (زمانا ذات مساء) وهو مضاف ومساء مضاف إليه ؛ (مساء) اسم نكرة يدل على الوقت ؛ على مساء من المساءات الغير محدد بتاريخ و غير موصوف بصفة تحدد فصلا من فصول السنة الأربعة . والمساء وقت يتكرر عند اقتراب الشمس من الغروب ؛ قبل غيابها التام ليعم الظلام ويحل الليل ؛ وهنا نكون قد حددنا وقتا من الأوقات في القصيدة ؛ وفي المنطق الزمن يسير دائما إلى الأمام له بداية (لا يعلمها إلا الله) ونهاية منتظرة هي الفناء . (ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام) .
وبما أن الكون في حركة دائمة ؛ فكل عنصر في الكون – من الذرة إلى أكبر عنصر فيه يتحرك ؛ أي يقوم بفعل (الحدث) ؛ الشاعر المبدع للقصيدة هو الآخر يقوم بالفعل (الحدث) باعتباره كائنا حيا وإنسانا عاقلا ؛ والكون سخره واجب الوجود (الله) من أجل الإنسان لتحقيق وجوده ؛ الإنسان كائن متحرك وفاعل خالق لاحداث في الزمان والمكان بالقوة والفعل .
الشاعر في هذا المساء قام بفعل (حدث) وهو الحلم ، قد يكون حلما في اليقظة مادام الوقت مساء لا ليلا ؛ وغالبا ما تكون أحلام اليقظة مصورة ومشكلة بتركيز وتعقل ؛ وإن شابها الخيال في الغالب ؛ هي ليست كالأحلام أثناء النوم الموصوفة بالعشوائية والاعتباطية ؛ واللخبطة والغموض ؛ وتداخل المعاني الصادرة عن اللاشعور ؛ الشاعر في حلمه يتصور أن له شمسه الخاصة وله صباحه ؛ والشمس رمز للنور والحق والعدل والوفاء والحياة ؛ فهي مصدر للنور والنور هو كاشف لكل ما يستره الظلام ؛ (الحقيقة) نعمة النور يتساوى فيها الفقير والغني والمؤمن والكافر ؛ الإنسان والحيوان ؛ وهنا يتحقق العدل المطلق ؛ وتتحقق الحياة لكل كائن حي ؛ لأن حرارة الشمس مصدر للماء حين تبخر ماء البحار والمحيطات والبحيرات يستحيل البخار إلى غيوم تسقط أمطارا تهتز بها الأرض وتعيش بها الكائنات الحية ؛ (دورة الماء) الشاعر يحلم وفي حلمه تخييل ؛ وتطلع إلى غد مشرق ؛ إلى صباحه الخاص المشرق بشمس عدالة ليس من المشرق بل من المغرب ،(المغيب) مكان الغروب ، وفي تغيير مكان شروق شمس الشاعر من مغيبها دلالة على التغيير وبوح بمعاناة التكرار والملل من أيام يعيث فيها أشخاص ،(النخبة) في الوطن فسادا ؛ الشاعر ينتظر صباحا آخر تشرق فيه شمس الحق والعدل بوجه آخر ومن مكان آخر :
ذات مساء
حلمت بصبح…
تشرق فيه …
شمسي من مغيب .
الشاعر في حلمه كان ينادي قومه ؛ وكلمة القوم تعني العشيرة والمجتمع بكل طبقاته وأطيافه الذين يجمعهم المشترك (الوطن – الإنسانية – الموروث الثقافي) حتى لا نقول العقيدة واللغة ؛ مادام الوطن وطن كل الديانات واللغات ؛ فلسنا وحدنا نحن العرب مغاربة مواطنين ووطنيين ؛ فهناك الأمازيغ واليهود المغاربة نتعايش يجمعنا الوطن والتاريخ والموروث الثقافي ؛ هو نداء في واد غير ذي زرع لا يجد آذانا صاغية ليصبح صدى يعود إلى مصدر الصوت (الشاعر القائم بفعل النداء) الطالب بالحق والعدالة ؛ كأن القوم صرعى فلا مجيب (الصمت – والسكوت) ناتجان عن القمع والتسلط والظلم والفساد (من نخبة لا مواطنة)
ناديت قومي …
فجاءه صدى صوتي
يخترق حجب الجحود
ولا من مجيب
نحن فيك صرعى
ونخبة ….
يرقصون على جثث الجوعى
في القصيدة وردت كلمة نخبة وتعني أقلية ، والنخبة في القصيدة غير محددة بمعايير منطقية كالكفاءة العلمية والفضائل والخصال الحميدة والقدرة على تحمل المسؤولية ؛ والتحلي بنكران الذات وخدمة الصالح العام ؛ وإنما وردت كلمة النخبة غير موصوفة بما يحدد طبيعتها ونوعها ؛ وهي النخبة المحظوظة الفائزة بحصة الأسد من خيرات الوطن (الثروة) والراقصة على جثث الجوعى ؛ حضور ثنائية الجوع / الترف ؛ غياب العدالة الاجتماعية . التيمة العامة للقصيدة تتمحور حول التشبث بالوطن رغم ظلم النخبة المتسلطة المتحكمة على مستوى الرباعي (الاقتصاد والسياسة والاجتماع والثقافة) وتطلع إلى طلوع شمس الحق والعدالة الاجتماعية
أبدعت واجدت شاعرنا الراقي .

Share this content:

  • Related Posts

    “بين غواية الحرف وصرخة الذات “يكتب القارئ المتميز والشاعر المغربي عبد العزيز برعود عن التجربة الشعرية للأديبة المغربية نعيمة معاوية -خريبكة اليوم – المغرب

    عبد العزيز برعود. المغرب تقديم: تتربع الشاعرة المغربية نعيمة معاوية على ضفاف التجربة الشعرية المعاصرة كصوت نسائي متفرد، يكتب من عمق المعاناة، وينتصر للأنوثة والروح والجمال. في قصائدها نلمح نبضًا إنسانيًا شفافًا، تتداخل فيه أبعاد الحب، والفقد، والانتظار، والتمرد، والموت، في مشهد شعري أقرب إلى صلوات الذات في محراب الوجود. وما بين (رقصة موت)1 ، و(أغار)1، و(قيثارة الحب)1، و(لا تسلني)1، وغيرها،…

    Read more

      اليوم ؛ جملة مما دونته على حائطي الفيسبوكي.عبد الرحيم هريوى – خريبكة اليوم – المغرب

    ما دونته اليوم على حائطي الفيسبوكي كتعبير عابر عن ما خالج الكيان من أفكار عن الواقع والبشر والأخلاق وما أفسده الزمان من هكذا سلوكيات   في هذا العالم، لا يوجد خير مطلق ،ولا يوجد شر مطلق ،الخير والشر ليسا كيانين ثابتين ومستقرين ، ولكنها يتناوبان مكانيهما باستمرار .فالخير قد يتحول إلى شر في الثانية المثالية والعكس بالعكس .كانت هذه هي حال العالم…

    Read more

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    You Missed

    “بين غواية الحرف وصرخة الذات “يكتب القارئ المتميز والشاعر المغربي عبد العزيز برعود عن التجربة الشعرية للأديبة المغربية نعيمة معاوية -خريبكة اليوم – المغرب

    “بين غواية الحرف وصرخة الذات “يكتب القارئ المتميز والشاعر المغربي عبد العزيز برعود عن التجربة الشعرية للأديبة المغربية نعيمة معاوية -خريبكة اليوم – المغرب

    لا فرق لنا اليوم بين فريق” الكونغو أوالطوغو أو جزر القمر “فكلهم قد اتفقوا عنوة على إفساد أي عرس كروي ضد منتخبنا وهم  يركنون للدفاع..عبد الرحيم هريوى – خريبكة اليوم – المغرب

    لا فرق لنا اليوم بين فريق” الكونغو أوالطوغو أو جزر القمر “فكلهم قد اتفقوا عنوة على إفساد أي عرس كروي ضد منتخبنا وهم  يركنون للدفاع..عبد الرحيم هريوى – خريبكة اليوم – المغرب

    أين يكمن الوعي لدى القاصة المغربية سلوى ادريسي والي..؟؟ خريبكة اليوم – المغرب

    أين يكمن الوعي لدى القاصة المغربية سلوى ادريسي والي..؟؟ خريبكة اليوم – المغرب

    لا يمكن لأي قارئ أن يمتلك نفسا طويلا في قراءة النصوص الروائية الطويلة والمؤسسة للفكر الإنساني في مجال الأدب..عبد الرحيم هريوى – خريبكة – المغرب

    لا يمكن لأي قارئ أن يمتلك نفسا طويلا في قراءة النصوص الروائية الطويلة والمؤسسة للفكر الإنساني في مجال الأدب..عبد الرحيم هريوى – خريبكة – المغرب

      اليوم ؛ جملة مما دونته على حائطي الفيسبوكي.عبد الرحيم هريوى – خريبكة اليوم – المغرب

      اليوم ؛ جملة مما دونته على حائطي الفيسبوكي.عبد الرحيم هريوى – خريبكة اليوم – المغرب

    جواز سفري لأمصار شتى هو كتاب قرأته..عبد الرحيم هريوى -خريبكة اليوم – المغرب

    جواز سفري لأمصار شتى هو كتاب قرأته..عبد الرحيم هريوى -خريبكة اليوم – المغرب