
- التقى بها صدفة في الشارع الكبير والرئيسي للمدينة القديمة،عرفها عبر صورتها..
- لكن أية صورة مرجعية يملكها الكاتب ؟؟
- فهل هي صورة حقيقية يحملها في ذاكرته عنها ،أم هي شبه لصورة ما لآمرأة مجهولة، لأخرى لربما وقع تشابه معها وقد خانه بصره من حيثما لا يدري.. !!؟
ونسائل الكاتب بطريقتنا فهل هو جد مصمم على كتابة نصه هذا، بالشكل الذي أراده ،وهذه المرأة سوى الصورة الكبرى للأخ الأكبر في رواية جورج أرويل في1984 بطريقة لا يفك ألغازها إلا من ألف مراقبة النجوم بطريقة شاعرية لعلها الشخصية التي يطاردها كسراب في نصه هذا..لقد تتبعها دون أن تشعر بوجوده..بالمطلق…!!
- هي لا تعرفه..!
- هو لا يعرفها..!
- فكيف يمكن لهما أن يتكلما..أو يلتقيا كخطان مستقيمان..!؟
– وكيف يمكن لهما أن يتجاذبا هكذاحديث، قد يجمعها صدفة في الشارع ،وعن أي شيء غير موجود أصلا سيتجاذبان الحديث عينه..ويمكن له بأن يجمع بينهما ..!!ورغم كل ما كان يدور في ذهن هذا الرجل النظيف …فقد ظل يطارد ظل صورة وجودية في ذهنه.. ظلت هذه الصورة سر اللغز بين يديه نجهلها كقراء لا يعرفها إلا الكاتب لوحده ،وفي كل لحظة من اللحظات تراه وهو يتشجع كي ينادي عليها بٱسمها الحقيقي ..وهل هو اسمها بحق السماء أم يريد أن يجرب بطريقته .. ؟!؟!وهي لا تعرفه أصلا.. وما سبق لها أن رأته بالمطلق.. ولا هي قد ربطها به أية علاقة أو صلة بهذا الكائن المجهول..لكن هي أفكار يعيشها كل كاتب مثله ويريد أن يبحث له عن أشخاص مهمين يشاركونه نصه القصصي هذا ،وبطريقة خفية من وراء ستار،حتى ولو كان ذلك خارج الواقع المادي الحقيقي الملموس..
هاهي الآن ؛قد توقفت أمام بائع الأحذية وظلت متسمرة لهنيهة أمام الواجهة الزجاجية الرائعة والجميلة،رتبت فيها الأحذية بطريقة مثيرة،وهو يراقبها عن بعد ويسجل عنها أدق التفاصيل،وقال مع نفسه ربما تواسي نفسها بطريقة من الطرق كأي مغربي مسحوق لما يقول بعاميتها” لما شرى يتنزه” وبعدها أتممت المسير،وهو يعرف ذلك البوتيك حق المعرفة، ففيه ماركات عالمية مسجلة من الأحذية و بأثمنة خيالية”كيجمعها عالفم”لأنه سبق أن ذهب مع بعض أثرياء عائلته وتفحص تلك الأثمنة الباريسية بالبوتيك نفسه..فكيف لها أن تقتني لها حذاءًنسويا يساوي “السميغ المغربي”أو يتعداه بكثير..وهي لربما كما يهدي صاحبنا عبر تشكل صورة فلسفية في تفكيره اللاواعي،أي؛ يبدو عليها كمدرسة بالقطاع الخاص وبالكاد تحصل على ما تشتري به أساسيات الحياة في وطن عجيب،الأثمنة فيه تتجاوز أثمنة السلع الأوروبية ولكن الحوالة تقارب أخواتها بإفريقيا وبجنوبها تحت شعار”عندنا إذا ما أردت أن “تفهم تسطا” وظلت تمشي وتمشي وحدها.. تحمل معها همومها وأتعابها، لأن حتى منظر لباسها تعطيك ميتا -صورة عن مستواها الاجتماعي والهشاشة المعلومة في زمن الفوارق الصاروخية بين طبقات مجتمعية تعاني كي تعيش،وربما حتى “الساك “الحقيبة النسوية،أما العطر الذي تستعمله فقد يبقى أكبر دليل على مانقول،فكلما دنا منها الكاتب أكثر شم رائحة نوعية لذاك العطر الرخيص والمستعمل لدى غالبية نساء الطبقة الشعبية المقهورة والفقيرة.. وما تحت عتبة الفقر..وبعد طواف طويل عبر أزقة وشوارع المدينة القديمة،هاهي أخيرا وقد توقفت عند عطار مما سهل على صاحبنا بأن يقترب منها أكثر فأكثر ،وهو يتشجع كي يحسم في أمره هذا..ويتعرف عن أشياء أخرى لا يمكن له أن يعرفها عنها..إلا عبر الحوار ..طلبت من العطار الغاسول و الحنة والداد وعشبة ميرويت..وصاحبنا يتربص بكل كلمة تتفوه بها ..فتذكر صاحبنا رفيقة عمره الجميلة والرائعة عن تلك الخلطة التقليدية العجيبة التي توارثتها النساء المغربيات للحفاظ على سلامة شعرهن بعيدا عن كل المواد الكيماوية الضارة بالجلد والشعر معا..!
- ناداها بٱسمها..التفت لوجهة النداء لم تجد أحد تعرفه..ابتسم في وجهها وقال لها:
- اسمحي لي ألست أنت “عايدة البحراوي..؟؟
- أجابته باندهاش كبير:نعم؛أنا.
- ثم سألته ..وفي نفس هي متسائلة ..فكيف عرفت اسمي؟
- لم يجيبها بل سألها هل عمرها لربما يكون اليوم قد تجاوز الخمسين ..ها هنا – “دخول الصحة “جمعت الوقفة محذرته بزفرة عميقة-وظهرت معها ملامح الغضب الشديد.. تضايقت ..انقبض وجهها..!
- تحدته بنبرة صوت مستفزته..!
- ما معنى هذا السؤال؟!؟
- ومن قال لك بأن عمري هو هذا!؟؟
- وبأنني بالفعل قد دخلت لسن اليأس يا كريم قومه ؛هذا؟!؟
إنك أخطأت ربما في الصورة والاسم والعنوان.. وهي؛الآن تبدو جد قلقة، ووجهها يزداد ٱحمرارا ..!!ولا تعرف من أين نزل عليها هذا الباطل بل هذه الكارثة بكل هذا الثقل المفاجيء..!!سوى هي؛التي كانت تنقصها هذا المساء الحار بهذه المدينة الغاضبة على أهلها الموتى وهم أحياء بخيالات يتراقصون ويحكمهم الزمن السياسي لنخبة من الأثرياء من أهل المال والعقار وأحزاب زمان في صفهم تزكيهم في كل موسم انتخاب.. وكان يا ما كان…!!

أخيرا وجد الكاتب الحل لنفسه قبل أن تتطور الأمور لما لا يحمد عقباه…والكاتب لربما يدرج ما يحرجه في نصه هذا وهو هائم في بسط نفوذه على تفاصيله ..كان لابد عليه الآن بأن يخرج المفاجأة ..وهنا تلمس جيبه الخلفي الأيسر وأخرج محفظة نقوده، وهي تتابع حركاته بٱستغراب ثم أمدها ببطاقة تعريف وهو يسألها:
- أليست هذه صورتك أم هي شبه لك ..*وسبحان الله الذي يخلق من الشبه أربعين..*
- حاولت استرجاع أنفاسها والتستر على غضبها الكبير
- نعم؛ لا أنكر،فهي لي والتي ضاعت مني لربما في إحدى المؤسسات البنكية بالمدينة القديمة..
نعم قد وجدتها أمام باب ببريد بنك واحتفظت بها في جيبي ورغم أن العنوان المكتوب فيها ليس بعنوان هذه المدينة.. وأرجيت إرسالها عبر البريد لكنها كانت فرصة ذهبية التي سنحت لي أن ألقاك في زحمة هذا الزمان …وكان لنا ما كان..أنا عباس الحمداوي متقاعد أهوى أن أمشي تائها، وكلما تفحصت الوجوه على اختلاف أصنافها التي تمر من أمامي وكأنه يوم الحشر.. تخيلت لهكذا وجه من الوجوه حياة لا يحكيها بل نحن الذين سنحكيها بدون أن يعلم ..
فهل كنت كذلك إحدى تلك الوجوه التي شاركتنا أتعاب النص والحياة معا..!؟!؟!

Share this content: