جلست مساء يوم هذا الأحد بمقهى الصخور كعادتي بمدينتي الفوسفاطية بحثا لي عن راحة نفسية وسيكولوجية تعيد للروح إتزانها ..إنه يوم فريد و استثنائي عند عشاق المستديرة..وكل العقول بل كل تفكير فهو مشدود إلى الديربي العالمي المعلوم..!!
وكل مكان ها هنا غير شاغر..الكراسي حجزت منذ الصباح..
وكل مساحة قد تم احتلالها من طرف عشاق الغريمين الإسبانيين البارصا والريال ..
بالفعل ؛اليوم كان استثنائيا وبكل المقاييس..
جلست خارج فضاء المقهى الداخلي لأنه مملوء عن آخره،وذلك في انتظار شيء ما لا أعرفه..لقد كنت لوحدي وليس وحيدا كما جاء في نص روائي ياباني لهاروكي موراكامي 1Q84 ..
- التفت عن يميني لا أحد ..!
- التفت عن شمالي لا أحد..!
- “الدنيا كتصفر “
- الكل داخل الملعب،أي المقهى ،وكل العيون مشدودة إلى الشاشات العملاقة..
- قلت مع نفسي: إن أجمل ما تجده عندنا هي جمالية فضاءات المقاهي المبهرة ..وإن أهل الدثور يتنافسون فيما بينهم على جيوبنا، عبر أسماء شتى لمقاهي في صورة لآخر صيحة في الديكور .. ولعل أحد الأصدقاء كان صادقا في حكمه لما قال لي:
ما يكسبه هؤلاء الأشخاص ؛أصحاب المقهى، فهو يتجاوز بكثير ما يكسبه طبيب عام في عيادته لشهور ..وكان بين الفينة والأخرى، يصلني صوت المعلق الجزائري الدراجي، وهو يعلق بطريقة فجة، لا تعطي للديربي ذاك الحماس والإحساس الكبير الذي يناله عشاق البارصا والريال في زمن تعليق التونسي عصام الشوالي الذي يملك ثقافة رياضية وأخلاقية وروحية تجعله محبوب جماهير الكرة عبر الوطن العربي وملك التعليق في بين سبور..ومع كل إصابة جديدة تهتز جنبات الملعب؛عفوا المقاهي..وحتى الهجمات أمام المرمى لكلا الفريقين تهتز معها قلوب الجماهير أيضا…قلت مع نفسي: نحن لسنا بالمغرب بل نحن بالجارة الشمالية إسبانيا ..فأي مكانة لبطولتنا الإحترافية أمام هذا الزخم الهائل والإقبال المهول للجماهير المغربية على الديربي الإسباني..؟؟جلست لحظات عابرة لوحدي وبقربي محفظتي وكتبي ..وكان لا بد للكرسي الثاني أن يودعني كي يصاحب أصدقاءه إلى داخل المقهى بعدما جاءني النادل يطلبه لأحد الزبائن الذي حضر لتوه متأخرا ..أخذت في قراءة كتاب- ألف ليلة وليلة- وحاولت أن أنفي من وجودي لحظتها عالم الكرة وأفيونها القويم..وبعد مرور وقت ليس بالقصير، أحضر أحد قدماء المناضلين الأشاوس كرسيه بالقرب مني،وحمل قهوته وجاء لمؤانستي في وحدتي ..حينذاك أغلقت الكتاب وفتحنا النقاش حول حزب بن بركة وما عرفه من أتعاب في زمن خريفه العاصف، وما عرفه المؤتمر الأخير..وتذكرنا زمن الديناصورات وكيف حاول أحرار الحزب اليساري الإنفصال وتشكيل حزب بديل تحت اسم ” البديل الديموقراطي” في حياة الراحل أحمد الزيدي قبل أن تتوقف حياته بوادي الشراط غرقا ..ويعود بعدها صديقه الحميم رضى الشامي لتحمل مسؤوليات عبر مؤسسات الدولة ومنها رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي.. ومكث الباقي من ثلة من المناضلين القدماء من فئة الديناصورات في لون الحزب البنفسجي الذي تم تدجينه ولم تعد لديه الجينات التي بها خرج للحياة.. هذا اللون لحزب قد مات بمرض سياسي عضال ، أنهك جسده. واليوم قد حضروا جنازة دفنه في مقبرة التاريخ السياسي المغربي المعاصر.. هؤلاء الديناصورات أمسوا في زمن ماضيهم السياسي المدفون، يعيشون اليوم في حاضر ظل مكشوف للكتابة والقراءة والتأليف ، بعيدا عن كل ضوضاء و صخب سياسة أمست لا تسمن ولا تغني من جوع في عهد الشعبوية المطبقة بعقلية الزعماء الجدد .. نعم ؛في عالم المقاهي عادة ما تتواجد هناك عدة عيون وآذان تسرق السمع..التفت فجأة بالقرب منا فأثارني ظل وجه ٱمرئ توقف عن شرب قهوته وأمعن النظر فينا بتركيز شديد. وهو في صورته تلك ، وعبر مشهد من مشاهد هذه القصة للقاص الروسي تشيخوف لما قال: «كلما حضر المسدس في نص سردي لا بد بأن يطلق الرصاص» بل قد يطرح معه علينا عدة أسئلة يصعب إيجاد إجابتها بسهولة، وهو يرخي السمع؛ مما اثاره من شبهة في عالم مقاهينا من التلصص إن كان يطلبه فعلا أم أثاره نقاشنا عن جنازة حزب بن بركة بعد دفنه ،وأراد أن يقول لنا بطريقة رمزية :«كفاكم نقدا ،واذكروا أمواتكم بخير» .وبذلك ظلت عدة علامات ٱستفهامية حول لحظة نزوله الفضائي ذاك بالقرب منا.. وكأننا نعرفه من زمان …وبعد ما فطنا بحركاته المشبوهة، و التي تحدث الربا والشك التي تحوم حوله.قام لتوه وهو لا يلوي على شيء من مكانه، حيث غير المقهى بسرعة. لكننا تبادلنا نظرات الإندهاش فيما بيننا بدون أن ننبس ببنت شفة. ولم نعرف أي ٱهتمام كان له أو أي مقصد ذاك الذي جعله يستأنس بحديثنا ..لكنه؛ على كل حال فقد أعطى للسرد القصصي نكته الخاصة..! وبقيت الأسئلة حوله جد معلقة ،فهل هو من الاتحاديين الشباب، ويكون قد شده حديثنا العميق ونحن نجلد الحزب وهو قد ينهار أمام جيلنا القديم كحائط من الطوب والأتربة بسبب إعصار مفاجئ قد ضربه..؟! لا أدري اللثة..أم هي لحظة إثارة جذبته كي يعيش نقاشنا الساخن عن مهزلة الولاية الرابعة لزعيم الحزب الستاليني الجديد ..وأطلق عليها الرواد بمواقع التواصل الاجتماعي بإدريس الرابع!؟وعلى ذكر زمن ستالين في زمن الاتحاد السوڤياتي المفكك في عهد ݣورباتشوف .ومن بين الأشياء التي ظلت كطرائف في عهده وأنا أقرأ النص الروائي الياباني لهاروكي موراكامي 1Q84 إذ صادفني ما أثار استغرابي ثم قال ما يلي :
” هل سمعت عن الاختبارات النهائية التي كان يخضع لها كل مرشح يريد أن يشغل وظيفة محقق في الشرطة السرية لدى ستالين؟؟
لا ،لم أسمع
كان المرشح يودع داخل غرفة مربعة .ﻻ تضم سوى كرسي خشبي صغير من النوع العادي.ويأمره مدير الشرطة قائلا : ـ اجعل هذا الكرسي يعترف واُكتب تقريرا بذلك.لن تغادر هذه الغرفة قبل أن تفعل ذلك”هذه الحكاية تبدو خيالية للغاية..لا ليست.ليست خيالية على الإطلاق..إنها حكاية حقيقية ..ستالين بالفعل خلق هذا النوع من البارانويا،ومات في عهده حوالي عشرة ملايين شخص معظمهم من موطني بلاده.. أما نحن في حالتنا فقد عبرنا بطريقتها المغربية و بعاميتنا ” وأنت علاش كتحفر أسعيدان…!!!” خاصة وأن من حكمة أحد المتصوفة : “يجب عليك أن تحفر في نفس المكان حتى تصل للماء”

Share this content:





