

#كان يمكن للحظة الفوز أن تمر كأي لحظة في عالم كرة القدم، ضوء الكاميرات، وهتاف الجماهير، وتحية اللاعبين. لكن ما لفت الانتباه لم يكن الهدف، ولا الخطة التكتيكية، بل تلك الطاقية الخضراء التي أخرجها المدرب المغربي طارق السكتيوي من جيبه ووضعها فوق رأسه . لم تكن قطعة قماش، بل أثر رمزي يرشح بالمعنى، يسكن فوق الرأس كما يسكن الوالد في الذاكرة…
الطاقية كانت لوالده المتوفى منذ سنوات ، وقد وضعها في لحظة نصر، لا زينة ولا استعراضا، بل برّا ووفاء وطلبا للبركة. في مجتمع لا يزال يتنفس من رئة الماضي، تظل العلاقة بالوالدين امتدادا وجوديا، لا مجرد علاقة نسب، بل ما يسميه الفيلسوف الأنثروبولوجي ميرسيا إلياد “برباط الأصل”، أي حضور الأب كجذر وجودي، لا كشخص فقط…
انها لحظة تتجاوز الرياضة، تكشف خلخلة القيم في زمن صار فيه النسيان نمطا اجتماعيا، والقطيعة سلوكا مبررا. في وضعية كهذه، يصبح تمسك فرد برمز أبوي فعلا مضادا، ومقاومة صامتة للزمن المعولم…
فالبركة في المخيال الشعبي المغربي ليست خرافة، بل طقس اجتماعي تتجلى فيه الذاكرة، ويستعاد به الحضور المقدس في المعيش اليومي.
واللافت ان الطاقية فوق الرأس لم تكن مجرد تكرار لعادة، بل إعلان رمزي عن ارتباط عاطفي وثقافي.. يقول المفكر برنارد ليفي “اننا نتحول الى مسوخ حين ننفصل عن جذورنا”، وربما فهم المدرب المغربي ذلك بالفطرة، حين انتصر على كل ما حوله، ووضع رمزا قديما فوق رأسه، ليذكر نفسه والناس أن الانتصار لا ينبت في الفراغ…
هكذا تتجسد الفكرة، ان الرموز ليست ترفا، بل ذاكرة حية، تتنفس معنا. في زمن أصبح فيه اللاعب يركض للكاميرا لا لرفقة العائلة، تصبح قبلة على رأس أم، أو طاقية لوالد، بمثابة لحظة استرجاع حقيقية للإنسان داخل المشهد…
في مشهد بسيط قرأ الكثيرون فقط شكله، لكن من قرأ عمقه، عرف ان الانتماء لا يصنع في الملاعب فقط، بل في البيوت، في الحب، في الطقوس الصغيرة التي تعيدنا الى انفسنا، وتعيد الذاكرة الى مكانها الصحيح…Said Hajjiأفكار على هامش الحدث
Share this content: