كان حضور رمزية الطاقية المغربية الخضراء لوالد المدرب السكيتيوي أكثر من انتصار في الحياة عبر تدوينة فيسبوكية لسعيد حجي- خريبكة اليوم

#كان يمكن للحظة الفوز أن تمر كأي لحظة في عالم كرة القدم، ضوء الكاميرات، وهتاف الجماهير، وتحية اللاعبين. لكن ما لفت الانتباه لم يكن الهدف، ولا الخطة التكتيكية، بل تلك الطاقية الخضراء التي أخرجها المدرب المغربي طارق السكتيوي من جيبه ووضعها فوق رأسه . لم تكن قطعة قماش، بل أثر رمزي يرشح بالمعنى، يسكن فوق الرأس كما يسكن الوالد في الذاكرة… 

الطاقية كانت لوالده المتوفى منذ سنوات ، وقد وضعها في لحظة نصر، لا زينة ولا استعراضا، بل برّا ووفاء وطلبا للبركة. في مجتمع لا يزال يتنفس من رئة الماضي، تظل العلاقة بالوالدين امتدادا وجوديا، لا مجرد علاقة نسب، بل ما يسميه الفيلسوف الأنثروبولوجي ميرسيا إلياد “برباط الأصل”، أي حضور الأب كجذر وجودي، لا كشخص فقط… 

انها لحظة تتجاوز الرياضة، تكشف خلخلة القيم في زمن صار فيه النسيان نمطا اجتماعيا، والقطيعة سلوكا مبررا. في وضعية كهذه، يصبح تمسك فرد برمز أبوي فعلا مضادا، ومقاومة صامتة للزمن المعولم…

فالبركة في المخيال الشعبي المغربي ليست خرافة، بل طقس اجتماعي تتجلى فيه الذاكرة، ويستعاد به الحضور المقدس في المعيش اليومي.

واللافت ان الطاقية فوق الرأس لم تكن مجرد تكرار لعادة، بل إعلان رمزي عن ارتباط عاطفي وثقافي.. يقول المفكر برنارد ليفي “اننا نتحول الى مسوخ حين ننفصل عن جذورنا”، وربما فهم المدرب المغربي ذلك بالفطرة، حين انتصر على كل ما حوله، ووضع رمزا قديما فوق رأسه، ليذكر نفسه والناس أن الانتصار لا ينبت في الفراغ…

هكذا تتجسد الفكرة، ان الرموز ليست ترفا، بل ذاكرة حية، تتنفس معنا. في زمن أصبح فيه اللاعب يركض للكاميرا لا لرفقة العائلة، تصبح قبلة على رأس أم، أو طاقية لوالد، بمثابة لحظة استرجاع حقيقية للإنسان داخل المشهد…

في مشهد بسيط قرأ الكثيرون فقط شكله، لكن من قرأ عمقه، عرف ان الانتماء لا يصنع في الملاعب فقط، بل في البيوت، في الحب، في الطقوس الصغيرة التي تعيدنا الى انفسنا، وتعيد الذاكرة الى مكانها الصحيح…Said Hajjiأفكار على هامش الحدث

Share this content:

  • Related Posts

    لا فرق لنا اليوم بين فريق” الكونغو أوالطوغو أو جزر القمر “فكلهم قد اتفقوا عنوة على إفساد أي عرس كروي ضد منتخبنا وهم  يركنون للدفاع..عبد الرحيم هريوى – خريبكة اليوم – المغرب

     تابعنا مقابلة المغرب والكونغو أو الطوغو لا فرق عندنا بين الاسمين لكنها مقابلة مملة و رتيبة جدا جدا وبكل معاني الكرة العصرية فهي بعيدة كل البعد عنها، وما تابعناه فهناك فريق وطني يدافع بطريقته الخاصة وهو يحتكر الكرة في الخلف وبدون اختراقات إلا ما هو محسوب على أصابع اليد الواحدة بل أكثر من هذا لا يوجد من يغامر ويفكك الخطوط الدفاعية…

    Read more

    أين يكمن الوعي لدى القاصة المغربية سلوى ادريسي والي..؟؟ خريبكة اليوم – المغرب

    هناك وعيٌ مهيّأٌ للفردانية، ووعيٌ آخر مهيّأٌ للجماعة.وأرى أن الوعي المهيّأ للفردانية هو ذاته الذي يتحوّل لاحقًا إلى وعيٍ جماعي، لأن الجماعة — ببساطة — لا تُنتج فكرًا، بل تستهلكه. لهذا لا يعرف الوعي الجمعي الحقيقة إلا بعد أن تُفقد حرارتها. فعندما تصل إليه الفكرة، تكون قد تحوّلت من تجربة حيّة إلى عقيدة جامدة. الجماعة لا تُدرك، بل تُقدّس. تتعامل مع…

    Read more

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    You Missed

    “بين غواية الحرف وصرخة الذات “يكتب القارئ المتميز والشاعر المغربي عبد العزيز برعود عن التجربة الشعرية للأديبة المغربية نعيمة معاوية -خريبكة اليوم – المغرب

    “بين غواية الحرف وصرخة الذات “يكتب القارئ المتميز والشاعر المغربي عبد العزيز برعود عن التجربة الشعرية للأديبة المغربية نعيمة معاوية -خريبكة اليوم – المغرب

    لا فرق لنا اليوم بين فريق” الكونغو أوالطوغو أو جزر القمر “فكلهم قد اتفقوا عنوة على إفساد أي عرس كروي ضد منتخبنا وهم  يركنون للدفاع..عبد الرحيم هريوى – خريبكة اليوم – المغرب

    لا فرق لنا اليوم بين فريق” الكونغو أوالطوغو أو جزر القمر “فكلهم قد اتفقوا عنوة على إفساد أي عرس كروي ضد منتخبنا وهم  يركنون للدفاع..عبد الرحيم هريوى – خريبكة اليوم – المغرب

    أين يكمن الوعي لدى القاصة المغربية سلوى ادريسي والي..؟؟ خريبكة اليوم – المغرب

    أين يكمن الوعي لدى القاصة المغربية سلوى ادريسي والي..؟؟ خريبكة اليوم – المغرب

    لا يمكن لأي قارئ أن يمتلك نفسا طويلا في قراءة النصوص الروائية الطويلة والمؤسسة للفكر الإنساني في مجال الأدب..عبد الرحيم هريوى – خريبكة – المغرب

    لا يمكن لأي قارئ أن يمتلك نفسا طويلا في قراءة النصوص الروائية الطويلة والمؤسسة للفكر الإنساني في مجال الأدب..عبد الرحيم هريوى – خريبكة – المغرب

      اليوم ؛ جملة مما دونته على حائطي الفيسبوكي.عبد الرحيم هريوى – خريبكة اليوم – المغرب

      اليوم ؛ جملة مما دونته على حائطي الفيسبوكي.عبد الرحيم هريوى – خريبكة اليوم – المغرب

    جواز سفري لأمصار شتى هو كتاب قرأته..عبد الرحيم هريوى -خريبكة اليوم – المغرب

    جواز سفري لأمصار شتى هو كتاب قرأته..عبد الرحيم هريوى -خريبكة اليوم – المغرب