

تعلقوا بمن تحبون فوقع الخذلان أقوى من مضاضة السيف
الخذلان وقعه على النّفس أقسى من أي شيء آخر، لأنه نابع من مدى محبتنا وثقتنا بالطرف الآخر، فكلما كان الشخص قريبا كلما كان الألم والخيبة أكبر، وكلما كان وقعه على النفس أعظم، نتعرض في حياتنا لكثير من المواقف المفجعة التي تولد في ذواتنا مشاعر مؤلمة،الخذلان بصفة عامة هو تعبير عن صدمة ما بفعل حدث أو تصرف غير متوقع، وقد يكون نتيجة ثقتنا الزائدة أو رغبتنا التي تقابل بردة فعل مضادة لم تكن بالحسبان.
لقد أتى اليوم الذي ينبغي أن نشكر فيه كل الذين خذلونا في الأمس؛ فبفضلهم أصبحنا أكثر وعيا، لأننا استوعبنا أن الحياة لا تقف عند أي شخص مهما كان،إذ لا ضمان لاستمرار أي شيء في هذه الدنيا فما بالك بالأشخاص، فحتى قلوبنا التي نمتلكها ستخذلنا في يوم من الأيام لتقف عن النبض.
شكرا لمن لم يبذلوا ولو مثقال ذرة من جهدهم في سبيل نصرتنا بالرغم من أننا أغدقناهم بعطائنا ومنحناهم أكثر مما احتاجوه في ضرائهم.
شكر لكل من جعلنا نحس بالخذلان الذي مكننا من انتشال الأفكار الساذجة التي كنا نحملها، فتعلمنا ألا ننتظر الخير من الخلق، وألا نبحث عن كل ما لا يستحقنا، وألا نفكر في الأمور الزائلة، وألا نسعى لقرب أحد سوى الرحمان الذي يزيدنا ثباتا وقوة واعتزازا، وإن قست علينا الدنيا وما تأتينا به إلا أنها غير قادرة على سلب رحمة الرحيم.ما يصبرنا على الأفعال اللاإنسانية للذين خذلونا رغم ما قدمناه لهم هو ما نراه من جزاء يطال كل واحد حسب جنس عمله، وذلك حاصل ولو بعد حين. فلا مهرب ولا منجى من دفع ثمن ذلك.
نتعرض في حياتنا لكثير من المواقف المفجعة التي تولد في ذواتنا مشاعر مؤلمة،فالذين قابلوا عطاءنا الإنساني النبيل بالنكران والعداء وغيره من الأمور السلبية سينالون نصيبهم من الجزاء في الحياة الدنيا قبل حساب الآخرة . سيطرت الحياة المادية أفقدت البشرية العواطف السامية، لهذا صارت القلوب أكثر قسوة لتعلقها الشديد بالكسب والربح المادي، الشيء الذي جعل الغالبية العظمى يتخلون عن الحس الإنساني النبيل بغية تحقيق مآربهم ومصالحهم الشخصية الزائلة.فبصنيعهم تضاعف شعورنا بأن الله هو الأمان الوحيد بعد أن أعطونا درسا قاسيا جعلنا نحتاط كثيرا قبل أن نضع ثقتنا في البشر كيفما كانوا.
شكرا لهم لأنهم لم يستمروا في تمثيلهم وبادروا في فضح حقيقة نواياهم الخبيثة ولو بعد مدة من الزمن، ورحيل من كنا نعتقد أنهم كانوا قريبين إلينا إلى الأبد أهون بكثير من أن نعيش معهم في ظل تصنعهم ونفاقهم وغياب أي مؤشر على وجود الصدق والمصداقية في تعاملهم..
ليس للمخذولين سوى الصبر والمجازفة على تجاوز وقع ذلك الإحساس على النفس والمضي قدما ورمي بقاياه وأثاره وراء الظهر، وإن كان الجرح المحدث غائرا يحتاج إلى الكثير من الوقت لكي يلتئم في القلب، حتى نعود من جديد ونحن أكثر دقة في اختياراتنا وأكثر تحفظا في علاقاتنا.
سنظل دائما نقول لمن خذلنا شكرا لكم على إظهار وقوفكم معنا في العلن رغم أنكم في الخفاء على نقيض ذلك بمحاولاتكم المتكررة في الدفع بنا للهاوية، فعندما ينعدم الصدق وتغيب الشفافية تتحول العلاقات الإنسانية إلى روابط هشة جدا لا يطول استمرارها ولا تصلح لأن يعول عليها. ومهما خذلتمونا سنظل غير متهاونين عن فعل الخير، ولن نسكت عن قول الحقيقة التي تقض مضاجعكم، لذا دعونا وشأننا، فلسنا بحاجة لسؤالكم عنا،ولا دخل لكم في مصيرنا أأطعمنا من جوع أوآمنا من خوف، فمن يتولانا كفيل بنا ولن يتركنا حسبنا إياه ونعم الوكيل.
تذكروا دائما أن أقسى أنواع الخذلان يحصل حين تتمكن الآلام من أجسادكم بالسيطرة عليها وتقييد حركاتها ووظائفها العادية، بالرغم من كثرة المسكنات والمقويات التي تبتلعونها، عندها ستحسون بصدق أنكم مخذولون حتى من صحتكم التي كنتم مغرورين بها وواثقين فيها ثقة عمياءفي النّهاية، حاول ألا تبالغ في أيّ شيء فخلف كل مبالغه صَفعة خذلان، وانصر كل من خذلوك في المَواضع التي ظنوا أنك ستخذلهم بها، فقط لتخبرهم بأنّهم خذلوا أنفسَهم بأنفسهم حينما خذلوك، ولا خذلان أسوء من خذلان العبد لربه حينما يتمادى عليه بعِصيانه، مع أنه عبد فقير لرب غنى عنه، وخذلان المرء لنفسه ولحلمه ولطموحِه ولكل جميل به وما عدَا ذلك فتلك دروس في الحياة ليس أكثر.
Share this content: