من تراثنا التاريخي المحلي شجرة الطناجة الأسطورة،نحكي عنها اليوم بعد أن عمرت بيننا عمرا طويلا.عبد الرحيم هريوى -ج – المفاسيس (خريبكة)-المغرب

إنها شجرة ضخمة،ثخنة،سميكة ومترامية الفروع والأغصان. قد لا تفلتها العين الفسيسية أبدا ..لقد عاشت في تربتنا ها هناك لعقود عديدة مرت.. وتربت تحت ظلها الوارف أجيال وأجيال متعاقبة، وكم من رجال و نساء ماتوا وودعونا ،لهم أكثر من ذكرى وحكاية وقصة تحت هذه الشجرة الأسطورة التي فتحنا عيوننا ونحن أطفال صغار على منظرها الجميل والرائع والمثير، إذ نعتبرها حديقة متكاملة الأوصاف لوحدها ، لأن موقعها الاستراتيجي في دوار أولا التونسي ، وبجوارها بئر قريب ماؤه ، عذب زلال. كلما شعر العطشان بلكحة في حلقة قصده بشكل عفوي كي يروي ظمأه.

ماؤه النقي الصافي وبدون ثلاجة يحافظ على برودته الطبيعية، وكل عابر سبيل وهو يمشي بجواره ،كان في حاجة إلى انتعاشة جسدية وتبريد لأطرافه في عز الحر، لا بد أن يدفعه فضوله صوب ذاك البئر ليخرج من جوفه دلوا واحدا يكفيه.

 كنا وما زلنا نسميها على اسم الدوار الذي تواجدت فيه كمعلمة  (شجرة الطناجة ) ولا أعرف لأي نوع من الأشجار البرية ننسبها ولا أي صنف تنتمي هذه الشجرة الأسطورة. التي كان جل من سبقونا وهم اليوم تحت الثرى قد اتخذوها مكانا للجلوس والراحة وتجاذب الحديث، والبحث عن ظل وارف مفقود تحت سقوف بيوت حارقة في فصل الصيف، وجل نسوة الدوار يتممن أشغال البيت تحتها من تصبين وحياكة ونسيج وتقشير للخضر وغسل للحبوب وغيرها، وحتى أمست من المعالم المعروفة لدوار الطناجة، ومن الموروثات البيئية التي يجب المحافظة عليها والاعتناء بها، كي تبقى شاهدة على تاريخ المنطقة..ناطقة باسمها..وتحكى قصتها المستمرة والمواكبة لمرور الزمان.

كم من الذكريات الرائعة والجميلة التي ظلت موشومة في الذاكرة عن هذه الشجرة الكبيرة والعظيمة التي تبقى شامخة شموخ رجالات عظماء زمانهم في الرجولة والشهامة والأخلاق الكريمة قد مروا من ها هنا. نذكر من بينهم الحاج محمد والحاج الصالح والتونسي وولد البوهالي والحاجة الكبيرة والزهرة والقائمة تطول.

شجرة خلقت ها هناك، كي تبقى هامتها للأعلى مهما طال الزمان.ولقد امتدت جذورها لمسافات طويلة تحت الأرض وهي تخترق جدار البئر بجوارها ، وكأن القدر أوجده بجانبها كي ينعشها ويبلل جذورها ويسقيها في كل وقت وحين.

شجرة برية لا أعرف لأي نوع من الأشجار تنتسب وتنتمي هل الكالبتوس أم للصفصاف أم لأي نوع آخر نجهله.

نعم تحتها مرت لقاءات حميمية وصولات وجولات وحكايات ومشاجرات حتى.وتحتها ارتفعت أصوات وأصوات ولكل أبناء دوار الطناجة وباقي الدواوير القريبة منه حكاية وحكايات مع هذه الشجرة الأسطورة ومكانها ورمزيتها وتواجدها القديم جدا. إذ أنها في وقت من الأوقات تعرضت جذوع أغصانها لتصدعات مما أفقدها منظرها القديم الذي حملناه صورة رائعة وجميلة في أذهاننا..!

لكل ذلك فكرت في كتابة هذه السطور القليلة في حقها كتعبير صادق وحب دفين عن تلكم الشجرة والتي نعتبرها جزءا من ذاكرة طفولتنا وشبابنا نحمله معنا..

ونحسبها من تراثنا التاريخي المحلي تلكم شجرة الطناجة- الأسطورة- صرنا ونحن ؛نحكي عنها ما نحكيه هذا اليوم بعد أن عمرت بيننا عمرا طويلا،وتمثل رمزية وجودية في ذاكرتنا الزمانية والمكانية والبصرية والجماعية .

Share this content:

  • Related Posts

    العين القديمة على الزنقة 05؛ بدرب بوعزة بن علي ” حي الهدى “اليوم بخريبكة – عبد الرحيم هريوى – المغرب

      ذاكرة المدينة تبقى محافظة على التاريخ وكأنه الأمس..!ذاكرة المدينة تبقى محافظة على التاريخ وكأنه الأمس..! بعين قديمة على زنقة من حي شعبي سكنته منذ أكثر من أربعين سنة مضت، أي منذ سنة1974. وما زال الحال هو الحال، وأشياء كثيرة مازالت على ما هي عليه.. وسيستمر الحال إلى مالا نهاية في مدينة تبحث لها عن طريق تسلكها صوب تنمية حقيقية كبرى،كما تشهده…

    Read more

    قال له مازحا :فأنا سياسي في مرحلة النقاهة .و فرص الانتكاس تتضاءل لدي مع مرور الوقت ..عبد الرحيم هريوى-خريبكة اليوم-المغرب

    قال له مازحا :فأنا سياسي في مرحلة النقاهة .و فرص الانتكاس تتضاءل عندي مع مرور الوقت .. مر زمانه الجميل بكل أحلامه وشعاراته الشبابية، وانتهى تاريخ صلاحية زمنه الذهبي في سنة 2002 مع من كانوا يلقبون بالديناصورات.. واليوم تراهم قد رحلوا لدار البقاء.. وتراهم إما اعتزلوا .. وإما اعتكفوا كمتصوفة في عزلتهم.. ومحاربهم.. وهم يكتبون قصائد الشعر ..ونصوص من الروايات يحكون…

    Read more

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    You Missed

    “بين غواية الحرف وصرخة الذات “يكتب القارئ المتميز والشاعر المغربي عبد العزيز برعود عن التجربة الشعرية للأديبة المغربية نعيمة معاوية -خريبكة اليوم – المغرب

    “بين غواية الحرف وصرخة الذات “يكتب القارئ المتميز والشاعر المغربي عبد العزيز برعود عن التجربة الشعرية للأديبة المغربية نعيمة معاوية -خريبكة اليوم – المغرب

    لا فرق لنا اليوم بين فريق” الكونغو أوالطوغو أو جزر القمر “فكلهم قد اتفقوا عنوة على إفساد أي عرس كروي ضد منتخبنا وهم  يركنون للدفاع..عبد الرحيم هريوى – خريبكة اليوم – المغرب

    لا فرق لنا اليوم بين فريق” الكونغو أوالطوغو أو جزر القمر “فكلهم قد اتفقوا عنوة على إفساد أي عرس كروي ضد منتخبنا وهم  يركنون للدفاع..عبد الرحيم هريوى – خريبكة اليوم – المغرب

    أين يكمن الوعي لدى القاصة المغربية سلوى ادريسي والي..؟؟ خريبكة اليوم – المغرب

    أين يكمن الوعي لدى القاصة المغربية سلوى ادريسي والي..؟؟ خريبكة اليوم – المغرب

    لا يمكن لأي قارئ أن يمتلك نفسا طويلا في قراءة النصوص الروائية الطويلة والمؤسسة للفكر الإنساني في مجال الأدب..عبد الرحيم هريوى – خريبكة – المغرب

    لا يمكن لأي قارئ أن يمتلك نفسا طويلا في قراءة النصوص الروائية الطويلة والمؤسسة للفكر الإنساني في مجال الأدب..عبد الرحيم هريوى – خريبكة – المغرب

      اليوم ؛ جملة مما دونته على حائطي الفيسبوكي.عبد الرحيم هريوى – خريبكة اليوم – المغرب

      اليوم ؛ جملة مما دونته على حائطي الفيسبوكي.عبد الرحيم هريوى – خريبكة اليوم – المغرب

    جواز سفري لأمصار شتى هو كتاب قرأته..عبد الرحيم هريوى -خريبكة اليوم – المغرب

    جواز سفري لأمصار شتى هو كتاب قرأته..عبد الرحيم هريوى -خريبكة اليوم – المغرب