

ماذا تمثل لك هذه الصورة في جانبها الوجودي ..نبات الصبار عاش بيننا وكان المتنفس الوحيد للفقراء و البؤساء والمساكين في المداشر والوادي والفيافي ،بحيث كنا نسمي المكان الذي ينبت فيه “بالجنان” ظنا منا أنه كذلك في غياب الجنان الحقيقي من الكروم والخضر والفواكه.وكان الكل يبيعه في فصل الصيف من أبناء البوادي من الفئات الهشة والفقيرة كي يجمعوا لهم هكذا بعض الدريهمات لشراء بعض الحاجيات الأساسية من الألبسة والأحذية و اللوازم الدراسية. وظل نبات الصبار صديق الفقراء والمتنفس الوحيد لنا في عالم البادية ووسط أجواء الرمضاء ..وعشنا ما عشناه ننتظر فصل الصيف حتى نجني غلته ونبرده بدلو من ماء البئر البارد.وكان فطورنا بخبز الكرون وحبات من فاكهة الفقراء حتى جاء زمن العولمة الموعودة كي تقضي على أي شيء من الغذاء الطبيعي لهذا الإنسان حتى ولو كان الكرموس عينه ، ليباع بعدها للواحدة بثمن خيالي بعدما تخرج لنا حشرة سموها الحشرة القرمزية،وهي تنتقل بواسطة الرياح كي تصل لكل محصول من هذه الغلة الطبيعية عبر جغرافية الوطن كلها ..نبات الصبار الذي لا يحتاج لا أدوية ولا لرعاية بل هي من النباتات التي تتنقل فوق أراضينا.. وعادة ما كنا نغرسه في الحدود بين الجيران وسرعان ما يكبر وينمو ويتطاول على كل المكان لذلك يسميه أهل دكالة بفرعون لأن يطغى عبر تجبره وسطوته ويتعدى الحدود بين الجيران ..
ظل الكرموس أو التين الشوكي رفيق الفقراء والمساكين لزمن طويل جدا حتى خرجت حكاية الحشرة وبيضت خضرته وذبلت لوحاته واحترقت وانكمشت وكل شيء عن نبات الصبار أمسى من ذاكرتنا الجماعية والطفولية ،ومات الصبار موتته غير الطبيعية ولم يبق له أي أثر في دواويرنا وكأنه لم يسبق له وجودا بيننا في وقت من الأوقات وقد محي له الأثر من حياتنا اليومية خلال حلول كل صيف، إذ كنا ننتظر قدومه بشوق كبير..
Share this content: