هي؛ مسكينة جديدة، تنضاف للائحة الطابور القديم -قصة قصيرة -عبد الرحيم هريوى-خريبكة اليوم-المغرب

قصة قصيرة؛تعكس نظرة الكاتب الممتدة، من واقع بئيس، لفئة عريضة من أولئك الذين يتعذبون فوق الأرض..

▪️ ظلت المسكينة بصورتها القديمة معلقة في ذهني إلى الأبد..لم يمسحها مرور الدَّهر..لقد كُنْتُ أعْرِفها حقَّ المعرفة ..لقد كانت شابة، يافعة، كلها حماس واندفاع وحيوية..

–  تُمَشِّي زمانها القاسي بإيمان قلَّ نظيره لدى البشر..

– هو إيمان راسخ لديها ..شعارها، أنه بالعزيمة والإرادة لدى بني البشر، يمكن له أن يتحدى أطوار مغامرة رحلة الحياة الصعبة والطويلة الشاقة والمتعبة..كتلك التي عاشتها، بكل ألوانها و صروفها وأوجاعها . وأن تواجه بحرها الهائج والمخيف ، مهما علت أمواجه العاتية..ومهما قَلَّ الزاد لديها ، وضُعْفُ وهوان المركب الذي يحمل أثقالها، والمصير المجهول، المحتوم الذي ستسلكه ..

وصدق من قال:”الكاتب قد يلجأ للقلم ، حين الصدمة المفاجئة ..!؟ “

ففي أول الوهلة، رأيتها عن جنب.لم أتمالك أعصابي ولا حتى أنفاسي، والتي تحكمت فيها تلكم الصورة السريالية، والتي تبقى أكبر من صعقة كهربائية، و سرعان ما عادت الصورة التي أطمرت في اللاوعي بعلبة الصندوق الأسود للذاكرة لعقود قد خلت ..!

هي .. هي ..

لباسها المألوف ، بتداخل في  ألوان شتى..وجهها الأنثوي الشاحب الذي يحمل بصمة الجوع والبؤس والإملاق ..صندلة وجوارب في عز برودة شتاء هذه الأيام..ركزت نظري في وجهها.. تعرفت عنها عن قرب.. حسمت أخيرا في أمر هويتها..وعادت حينذاك، بي ذاكرتي إلى الوراء، كي تُقْلَبَ صفحات أوراق زمان قد طواها النسيان ..عادت بي إلي أيام الجهاد الأكبر؛ الذي عاشته هذه المخلوقة.. تلكم المسكينة الجديدة، للحصول على لقمة عيش حلال، وما أقلَّها هذا الزمان ..وها هنا تذكرت معنى كلام المصطفى، عليه أزكى الصلاة والسلام حين قال  :” سيأتي زمان على أُمَّتِي ، تبحث فيها عن ثلاث فلا تجدهن، درهم حلال وسنة نقتدي بها وأخ في الله نستأنس به “

– نعم ظلت المسكينة الجديدة كما عهدناها من خلال عرضها اليومي لسلعة بخسة الثمن،من كلينكس..شوينغوم ..عيدان ند..جوارب..كلمات متقاطعة…وهي تحمل على ظهرها تكاليف حياة مفترسة، بأنياب حادة تمزق كل الأفئدة..!

– لقدظلت على حالها تجوب شوارع المدينة العتيقة، وببعض مقاهيها المعروفة في وسطها وبأطرافها،حتى انقضى جهدها ، وانهزمت المسكينة بالضربة القاضية أمام جبروت عواصف هوجاء لا ترحم.. وما كان عليها إلا أن تنضم لطابور الفقراء والفقيرات المتواجد بأمكنة معينة بالمدينة ..وهي تمدُّ يدها للصدقة معلنة عن نهايتها، التي كانت لا تتمناها أبدا..ولا ترجو أن تصبح عالة على نفسها ، ولا على غيرها.. وهي اليوم؛ قد اقتنعت بمصيرها المحتوم..و لعلها قد تجد من يعرف صورتها..أو يتذكر ذكرى من ذكرياتها وهي صامدة ..متحدية..صابرة..مكابرة.. ويمُدّها بدراهم معدودة تطفئ بها نار جوفها التي لن تخمد أبد الدهر ، حتى تغادر بروحها الطاهرة، نحو عالم الرحمة والعدل..

المسكينة ؛ قد انهزمت أخيرا.. حين رمت كل شىء خلفها.. قعدت وانهارت قواها على رصيف بارد ..أطلقت رجليها أمامها، دون أن تستشعر برودة الأرض.. ولعلها تكون أحنَّ عليها من قساوة قلوبنا ..وعيونها الآن للسماء مرة ، ولمن يمدُّها النوال مرة..

▪️ نظرت إليها، وأنا أقَاسِمُهَا تعبها وأوجاعها ..ووضعت في يدها قطعة نقدية، ولسان حالي يقول:

” ها هي الحقيقة المرة على الأرض و نراها بعيون الأسى والأحزان ، لقد كاد الفقر أن يكون كفرا. يا من شبعوا؛ وما فتئوا يطلبون التخمة والترف.. ولسان حالهم يقول هل عندكم من مزيد..!؟ والحمد لله الذي أَعْدَلَ بين خلقه في أول باب من أبواب العالم الحقيقي والمظلم، والذي سنلجه جميعنا، أبى من أبى وكره من كره.. صوب ذلكم العالم الآخر في برودة ظلمة القبور ووحشتها..

Share this content:

  • Related Posts

    عن ذاك الإبداع نتكلم..هريوى عبد الرحيم هريوى -خريبكة اليوم – المغرب

    عن ذاك الإبداع نتكلم.. هو ذاك عالم الإبداع بل هي ثقافة الإبداع التي نتسلق أبراجها عبر السنين وتلك الثقافة لا تتساقط كفراشات من الذهب والفضة من السماء على خيال المبدع فيصبح في وقت وجيز من المبدعين ،في أي مجال يتواجد فيه الإنسان بفكره وعقله وأحاسيسه،في الموسيقى كما في السينما والأدب والمسرح والشعر لنضرب مثالا على ما قلناه،قبل أن يرتقي صاحب جائزة…

    Read more

    حريرتنا حريرة ..وحريرة با ميلود في درب بوعزة بن علي بخريبكة ..!! قصة قصيرة عبد الرحيم هريوى خريبكة / المغرب

    بين ثنايا السطورأغسطس 28, 2022  خريبكة / المغربكانت لنا صولات وجولات في زمان الثمانينيات من القرن الماضي مع حريرة با ميلود بدرب بوعزة بن علي، في محاذاة شارع محمد صدقي بخريبكة أي قرب الحركات.. ولقد كنا نتسابق بعفوية واندفاع حماسي على الطبلة الواحدة في انتظار  “الجبانية ” الواحدة لبا ميلود..! لأنه كان قد وضع لنفسه عقدا يربطنا معه وهو عبارة عن…

    Read more

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    You Missed

    نص جدير بالقراءة “زينة الدنيا” للشجاعة التي أبداها الكاتب في الغوص في عتمات و ظلام زمن الأندلس.عبد الرحيم هريوى – خريبكة اليوم – المغرب

    نص جدير بالقراءة “زينة الدنيا” للشجاعة التي أبداها الكاتب في الغوص في عتمات و ظلام زمن الأندلس.عبد الرحيم هريوى – خريبكة اليوم – المغرب

    عن ذاك الإبداع نتكلم..هريوى عبد الرحيم هريوى -خريبكة اليوم – المغرب

    عن ذاك الإبداع نتكلم..هريوى عبد الرحيم هريوى -خريبكة اليوم – المغرب

    إذا ما سبقنا القارئ فكل ما سنكتبه يخرج أصلا ميتا ..عبد الرحيم هريوى – خريبكة اليوم – المغرب

    إذا ما سبقنا القارئ فكل ما سنكتبه يخرج أصلا ميتا ..عبد الرحيم هريوى – خريبكة اليوم – المغرب

    حريرتنا حريرة ..وحريرة با ميلود في درب بوعزة بن علي بخريبكة ..!! قصة قصيرة عبد الرحيم هريوى خريبكة / المغرب

    حريرتنا حريرة ..وحريرة با ميلود في درب بوعزة بن علي بخريبكة ..!! قصة قصيرة عبد الرحيم هريوى خريبكة / المغرب

    صباح الصباح ؛لكل الذين يُحَرِّمُون الإبتسام..عبر رسائل رقمية للكاتبة المغربية ..!فاطمة العبدي- خريبݣة اليوم – المغرب

    صباح الصباح ؛لكل الذين يُحَرِّمُون الإبتسام..عبر رسائل رقمية للكاتبة المغربية ..!فاطمة العبدي- خريبݣة اليوم – المغرب

    ✓ من وحي الواقع . علال الجعدوني بني وليد تاونات المغرب .

    ✓ من وحي الواقع . علال الجعدوني بني وليد تاونات المغرب .