


مدخل :
حسب النقاد فالشعر الحر يختلف عن العمودي بحيث نجده يتكون من سطر واحد فقط ، أي ليس له عجز ، وأنه يعتمد على تفعيلة واحدة ، غير مقيد بوحدة القافية والشكل ، وغالبا ما يتمتع الشاعر بحرية التنويع في التفعيلات ، وكذا في طول القصيدة . لكنه يلتزم بتطبيق القواعد العروضية التزاما كاملا .
لقد ظهر الشعر الحر في الوطن العربي حسب بعض المصادر قبل الخمسينات حيث اتخذ مسميات وأنماط مختلفة منها ( الشعر المرسل) أو ( النظم المرسل المطلق) أو (الشعر الجديد) أو( شعر التفعيلة) ، إلا إنه تحرر فيما بعد من كل القيود .
ويعود تاريخ انطلاقه إلى عام 1947 في العراق حيث كانت أولى القصائد حرة الوزن ، قصيدة : ( الكوليرا) لنازك الملائكة ، وتلتها قصيدة : (هل كان حبا) لبدر شاكر السياب من نفس السنة ، وبعد سنتين أي سنة 1949 صدر ديوان : (شظايا ورمل) لنازك الملائكة ، وفي سنة 1950 صدر : (ملائكة وشياطين) لشاعر عراقي عبد الوهاب البياتي ، وتلاه ديوان : ( المساء الأخير) للشاعر شادل طاقة ، وجاء من بعده ديوان ( أساطير) لبدر شاكر السياب .
هذه في عجالة تاريخ الخوض في كتابة الشعر الحر ليصبح فيما بعد : مسلك جل شعراء العالم العربي ….
✓ دلالة العنوان :
“نبض الطين ” هو عتبة الديوان ، أو علامة سيميائية تكشف ملامح المضمون فمن خلاله نقول : إنه يستوقف القارىء و يهيئه نفسيا ليجابه محتوى نصوص الديوان وهو على أتم الاستعداد . فالعنوان مكون من كلمتين ، نبض/ الطين .
فما معنى (نبض) : نبضاونبضانا : تحرك في مكانه ….
يقال : نبض القلب ونبض العرق : فهو نابض .
والنبض هو سرعة دقات القلب ، أي عدد مرات انقباض عضلة القلب وانبساطها في الدقيقة الواحدة .
1- والمعنى الكامل هو التوسع للشرايين الناجم عن قذف الدم إلى الجهاز الشرياني بواسطة انقباضات القلب .
2- النبض الملموس الناتج عن النبض الذي يتم اكتشافه في الشريان السطحي .
✓أما طين [ مفرد] : مصدر طان . أرض صالحة للزراعة من ذوي الأطيان . والطين هو ماء وتراب ، ويرمز الطين إلى : النبات ، والأناة ، والسكون ، فيه يستقر الماء ومنه يخرج الزرع . فالطين رمز الحياة .
ويمكن لرمزية الطين أن تجسد أيضا مفاهيم التجديد إذ يمكن إعادة تدوير الطين في حالته الخام إلى ما لا نهاية من خلال التحكم في مستويات رطوبته .
✓دلالة الغلاف :
تظهر على لوحة الغلاف ، قلب : والقلب هو مركز العاطفة بما في ذلك المودة والحب ، وخاصة الحب الرومانسي.في بعض الأحيان يكون مصحوبا أو يحل محله رمز القلب الجريح الذي يصور كرمز قلب متقوب بسهم أو كقلب “مكسور” إلى قطعتين أو أكثر .
كما يمكن أن نعتبر رمز القلب : هو رسم فكري يستخدم للتعبير عن فكرة القلب بمعناه المجازي أو الرمزي يتم تمثيله بشكل غير دقيق من الناحية التشريحية .
✓ التيمة :
موضوع إنساني ووجداني ذو منحى عقائدي مفتوح على جميع الأوراق الشاعرية اللافتة متدفقة برموز تجسد هموم وشعور الشاعر ، بحيث نجده غلف جل قصائده برؤى إنسانية ….
لقد حاول الشاعر قدر المستطاع الالتزام بما يدور في العالم العربي مبرزا مدى تفاعله مع كل قضية قضية وطنية كانت أو عربية ، فالشاعر غالباً ما تكون مشاعره موشومة بطبيعة وطنه الأم وكذا العربي ، وهذه سيمة الشعراء ذات المنحى الإنساني …
كما يمكن اعتبار كتاباته صوفية الروح والمشاعر والأحاسيس لكون نبضات قلبه تنبض بصور شاعرية زئبقية فياضة بالعواطف ، فجل صوره الشعرية ناطقة ومرآة عاكسة لأغوار ذاته الشاعرة .
✓اللغة والحلم المتفرد :
المتصفح لديوانه الشعري : (نبض الطين) يكتشف أن الشاعر محسن أكدي لديه إحساس يؤجج الجمال بقدرة لغوية تصويرية جموح ، وهذا يعود لتجربته الرائدة ، الفاعلة إلى حضوره القوي في الملتقيات ، فكل قصائده تستهدف لغة الخلق ، كما تروم بقصد استنطاق إيحاءات الأسلوب النفسي مقتنصة لذيذ المجازات بامتطاء الترميز… لغة تعانق البهاء في أسمى تجلياتها إلى تجعل المتلقي يغرق في معانيها ودلالاتها بخيارات التأويل .
إن الشعر صوت الأعماق غالباً ما يهيم صاحبه في عالم بذات قلقة نسبيا مع خواطر منكسرة بأسئلة متنوعة وحيرة عاصفة بالإضافة إلى صرخات تراقص مكنون الأغوار .
شاعر مؤهل لكتابة نصوص شعرية شاعرية دافئة تلامس نخوة الإبداع بتقنية محبوكة بأدق الصيغ الجمالية ولو أنه تفرد بمغامرة مختلفة عن المألوف بحيث قسم الديوان إلى أجزاء تنبض بنبضات متعددة المضامين الإبداعية والفنية بما يناسب ويتماشى مع فكر الشاعر محسن أكدي متشبعا بالروح الصوفية ……
. ( إن الشعر مغامرة لغوية ) ، والمتعمق في قراءة النصوص الشعرية الشاعرية للشاعر قد يكتشف أن هناك علاقة وطيدة بين النبض والطين لارتباطهما دلاليا و كذا لحضور للذات الشاعرة وهو يترجم ما بدواخله من انعكاسات تثير الفضول …. ويعتبر هذا حلما متفردا لكونه يتغى بقضايا نبض المجتمعات العربية وما يحدث من أحداث ، لقد انفتح على القيم العربية السامية جعلت منه شاعر المواقف الإنسانية .
✓ الخاتمة :
مما هو متعارف فللأدب صلة وثيقة بالحياة ، وكذا القضايا الإنسانية والمجتمع ، يؤدي خدمات تثمله برحيق البوح .من هذا المنطلق يمكن اعتبار الشاعر محسن أكدي شاعر المشاعر الصادقة ، سخر قلمه للترافع عن القضايا الإنسانية بعمق النبل والتواد لأنه يؤمن أن الإبداع وسيلة من وسائل الترافع عن كل القضايا في المشهد الثقافي .
Share this content: