
رواية ذكريات من منزل الأموات لدوستويفسكي
- أدب السجون هو نوع أدبي يصف الأدب المكتوب عندما يكون الكاتب مقيد في مكان ضد إرادته، مثل السجن أو الإقامة الجبرية، ويمكن أن تكون الأدبيات حول السجن، أو عن مرحلة قبله، أو مكتوبة أثناء إقامة الكاتب في السجن وإما أن يكون مذكرات أو قصصي أو محض خيال..”ويكيبيديا “
لكل رواية عالمها الذي تخوض فيه..كما أن لكل كاتب يكتبها بصمته وأثره الذي يتركه عبر فصولها.. ويبقى عنوان الرواية باب مسكنها الكبير الذي عبره نلج فضاء بيتها الذي يحمل جماليته القبلية، وقبل أن ندلف للباحة -البهو الأول- بكل ما يحويه من أثاث فاخر إن وجد “عفش “وتماثيل من رخام وفضة وذهب إن وجدت.. لوحات فنية وتشكيلية لرسامين عالميين كبار إن وجدت.. وهي التي قد يتحدد من خلالها ثقافة صاحب المنزل عينه. و الذي جئنا لزيارته عبر نصه الروائي و فصوله المختارة ،مما فيها من جمالية بلغة الأدب الإنساني ..وبروح الدعابة السحرية للعبارة والجملة وقوة الإبداع، مما يجعل القارئ قد لايتعب؛ ولا يمل، بل لربما يسافر بروحه ويتيه عبر خياله كي يستأنس بكل أحداثها ، ونمطية شخصياتها المختارة وعذوبة لغتها وغرابة حكاياتها..إن هي وجدت كما يصدح الشاعر الفلسطيني محمود درويش..!
فلعل المنزل الذي أردنا أن نبحث عنه؛ وما يحويه من حياة.. وما كان له أن يوجد في نص هذا الكاتب الروسي الغني عن ساحة الأدب العالمي “دوستويفسكي ” وهو يحملنا معه بسلطان من قلمه وعبر خياله الممتع، وذاكرته الواسعة.كي يحكي لنا ما يحكيه بسرد الكبار، عن ساكنة منزل قديم لا تشبه ساكنة الحياة بل ساكنة في منزل الأموات وبين أطوار متباعدة عاشها – الكاتب السجين- لسنين طويلة رفقة ثلة من المجرمين والمتشردين والقتلة الكبار صناع الإجرام بكل ألوانه وأصنافه المرعبة كما وصفها عن أصناف منهم …
لقد أحدثت رواية “ذكريات من منزل الأموات”أثرا كبيرا في النفوس ،فرأى القراء والنقاد في كاتبها دانتي جديدا هبط إلى جحيم رهيب،لا سيما وأن هذا الجحيم موجود في الواقع لا في خيال الشاعر وحده./.-والكاتب استطاع بأن يدرس نفسية الجلاد، فينتهي إلى نتيجة هي أن خير الناس يمكن أن يقسو قلبه بتأثير العادة فإذا هو يصبح حيوانا كاسرا../..مقتطف من التقديم
ولعل كل قارئ له عقل يفكر به حسب ثقافته وشخصيته وتوجهاته، وما له من قاموس متميز فلسفي في طرحه للأسئلة، ومناقشته للأفكار، وكلما انتهى من قراءته لنص روائي؛ وانتهت الرحلة ،كيفما كانت قد يجد نفسه في وصوله للمحطة الأخيرة، وعبر نوافذ الحافلة،قد رسمت ذاكرته الزمانية والمكانية أكثر من صورة.. وأكثر من مشهد.. وكان لقاؤه مع وجوه وجوه تجاذب معها حديثا عابرا أو امتد اللقاء لساعات طويلة، وظلت الذكرى بكل تجلياتها فترة حميمية مع روح التأمل والتذكر وإعادة لصور ترسخت بدون عناء في أعماق الذات وكله لم يمر هباءا منثورا..
ففي منزل دوستويفسكي بين الأموات -الأحياء – سيصنع للقارئ بقلمه وروحه المعذبة بين الفضاءات والثكنات وبرودة الأسوار ووجوه الإجرام سجلا روائيا ضخما وبشكل من التفصيل عن كيف يعيش هؤلاء الكائنات البشرية ..!
- كيف يتحملون لسنين طويلة من الاعتقال وثقل السلاسل و الغلائل في أقدامهم..؟
- كيف ينامون على الخشب، ويتحملون الحشرات، وغذاء الحيوانات، ومتاعب الأشغال الشاقة في المصانع ومعامل الياجور..؟
- كيف يفكرون..؟ وكيف يتناقشون.. ؟وكيف يحلمون..؟ وكيف يتشاجرون..؟ وكيف يبيعون ويشترون لبعضهم البعض البالي والمتلاشيات والخمور..؟ وكيف يعيشون الموت في غياب زمن الحياة..؟
- وكيف ألفوا الروائح النتنة في المستشفى الكريه الذين يعالجون فيه..؟
- رواية؛ إنها ذكريات من منزل الأموات من النصوص العالمية التي يبدعها الأديب دوستويفسكي بذكاء ومكر الخيال ..ولعلها قد تعلمنا كيف يكتب الكبار نصوصهم..؟ وكيف يجعلون من نصوصهم لغة ورموز عن حياة من مجتمعاتهم وتحمل ثقافة شعوبهم..؟
إنه مثال الإنسان الحر.إنه بغير سلاسل تقيد ساقيه،إنه لم يحلق له شعر رأسه،إنه يذهب إلى حيث يشاء من دون خفير سحريه…!!
- نعم ..وداعا ..! ..
- إلى الحرية ،إلى الحياة الجديدة ..!
- إلى الانبعاث من بين الأموات…!
- كانت تلك لحظة لا سبيل إلى وصفها ..!
- غير أن الإنسان يتعلم الصبر في السجن…
إن روحا مسيحية تترقرق في الكتاب كله.وذلك ما جعل تولستوي يتحمس له أشد التحمس فيكتب سنة1880إلى ستراخوف قائلا:”كنت أشعر هذه الأيام بضيق شديد فتناولت كتاب ذكريات من منزل الأموات ،فأعدت قراءته .كنت قد نسيت كثيرا منه ،فلما أعدت قراءته ،أيقنت أن ليس في الأدب الجديد كله كتاب واحد يفوقه ،حتى ولا كتب بوشكين ،ليست النبرة هي الشيء الرائع فيه،بل وجهة النظر التي يشتمل عليها:إنه صادق طبيعي مسيحي .إنه كتاب يعلم الدين .فإذا رأيت دوستويفسكي فقل له أني أحبه../.. مقتطف من التقديم

Share this content: