
هناك عناوين مقترحة لهذا النص القصصي
- نافورة سوريالية .
- النافورة والشيطان.
- أنطقت النافورة العجيبة.
- الواقع حينما نتلمسه في اللاواقع.
- النافورة في معترك الفلسفة الوجودية.
- عالم اللامرئي عبر خيال كاتب.
مررت هذا النهار بالقرب من نافورة جديدة.. وقد اعتبرت من الجيل الخامس أو السادس لقبيلة النافورات التي تزين المدينة المعلومة..!!
كنت ألهت؛ لأنني تعودت أن أمارس رياضة الشيخوخة ؛ أي المشي. ولما شعرت بشيء من العياء و التعب توقفت هنيهة كي أجمع أنفاسي ،ووجهي في وجه النافورة الجديدة تلك..وبعدئذ صرت أتمعن في لونها الرخامي البديع، وبدأ الماء يتطاير في الأجواء،وكأنها إشارة منها بحسن الاستقبال .. حركات الماء تعطي للمساحة حولها صورة جمالية،وكأنها لوحة للرسّام الموسوعي الإيطالي ليوناردوا دافنشي ،وهو يعشق عالم الماء الطبيعي في حياة الإنسان والحيوان..والماء عصب الحياة ” أما النافورة؛ “ففايتها الكلام” والمفاجأة الأسطورية هو أنني لما أطلت النظر في تلكم النافورة، بدت وكأنها غير راضية عن نظرتي الدونية لها.أو على الأقل هكذا شعرت بي ،وتواجدي الوحيد أمامها.. ولربما تحسست نظرتي الفلسفية الوجودية و بعمق..
- وبعدها سألتني باستحياء قائلة :
- أيها السيد (المواطن العجيب ) هل أنت من ساكنة هذه المدينة المهمشة – الثرية..!؟
- أجبتها للتو : نعم؛ أيتها النافورة الجميلة، ولقد عشت ها هنا دهرا من الزمن..وأنا اليوم ؛ شيخ متقاعد، بعد عمر طويل من التضحية في سبيل هذا الوطن العزيز..!!
- ثم سألتني : وما يثيرك فيها؛ أي شيء يعجبك في فضاءاتها..!؟
- قلت : النافورات ؛ نعم النافورات الساحرة مثلك يا عزيزتي ،والتي عبر فضائها يتبدل فورا وجه المدينة رأسا على عقب..!
- ضحكت بصوت قهقهة ؛متهكمة تلكم النافورة حتى وصلني بقوة ضحكتها السوريالية ماؤها المتطاير وبلل كل ثيابي..!
- قلت لها : سيدتي النافورة ما يضحكك هذه الضحة المستهزئة برب السماء..!؟
- قالت : أنت غبي جدا؛ ولا تفهم في الفلك، كما أظن بأنك لا تفهم أي شيء، لا في الفلسفة ولا في السياسة..حتى ولو أنك تقرأ عن تاريخ الفلسفة اليوم عند ديمقريطس وعن اللعبة الأكثر عبقرية في العالم..!
- تساءلت وتعجبت في داخلي وقلت: كيف لنافورة أن تتكلم بكل هذه اللغة وبرموزها ..!؟
- قلت لها : سيدتي النافورة الجميلة؛ وما علاقة ذاك بالقهقهة والضحك..؟!
- قالت : وهل نحن عائلة النافورات نولد هكذا بدون سابق إنذار وفي أماكن ؛ هم قد شاؤوا، وبهكذا شوارع محفرة ومهمشة ..!
- قلت لها : لا؛ لا، لم أنتبه لذلك سيدتي؛ لكنك على حق كل النافورات اللواتي ينتمين لعائلتك المحترمة يتواجدن بشوارع رئيسية محترمة ينبت فيها النخيل.. وقد تغيب عنها خطوط الراجلين البيضاء التي يعاد صباغتها في هكذا مناسبات، و التي يمحوها الزمان. وللأسف كما تعلمين ويعلمون، فلا يوجد عندنا من الصباغة البيضاء ما نحتاجه لفقرنا كي نوضح الخطوط للأقدام.ومن أي سبيل عليها أن تمر .. وفي انتظار اليوم الوطني للسلامة الطرقية ولو بعد أمة..؟!
- قالت لي: الآن بدأت تقترب من وجه الحقيقة..وكل الفلاسفة يتعذبون من أجلها حول منهج طرق الأسئلة الوجودية..!
- قلت لها : وضحي لي ؛ سيدتي النافورة أكثر ..!؟
- قالت لي : نحن عائلة النافورات لدينا شركة كبيرة. ولها فروعها عبر ربوع المملكة. وكلما تقدمت أي مدينة بطلبها من أجل بناء نافورة ،نعطيها حينذاك ” الشانتيو” كي تختار أي نوع من النافورات تريد؟؟ ..ومن أي جيل تكون ،وبعدها تلتزم معنا بدفتر التحملات..نعم ؛ دفتر التحملات لهكذا مشاريع كبرى تنموية..!
- قلت لها : وماذا يوجد في دفتر التحملات تلك، سيدتي.!؟
- قالت لي : شروطنا الأساسية ؛ أي ،كتواجدنا في الشوارع الرئيسية،وعدم اقحامنا في هوامش المدينة،وعندما تنتهي مدة الصلاحية في ولاية انتخابية تتم جدولة إعادة بنائنا من جديد ،لأن دورنا سياسي أكبر منه مجالي – جغرافي ،ومع كل ولاية أو مكتب جديد ينتخب ، قد نتواجد في المشاريع التنموية المحلية أو الجهوية طبعا لأهميتنا في الواجهة الأمامية..!!
- قلت لها: فهمت سيدتي ؛وأدركت اليوم المغزى السياسي الجميل،و قيمة النافورات بمدن الأمبراطورية ،لكن لدي طلب أخير إن أمكن.
- قالت لي : طلباتك على الرأس والعين..!!
- قلت لها : ألا تفضلت وأعطيتني” كارت فيزيت ” لأنني قد احتاج شركة النافورات لديك ،لأن الانتخابات على الأبواب ،وإنني أفكر أن ألج غمار أدغال السياسة ،وإذا ما فزت سأوقع مع شركتكم المحترمة شراكة على طول رئاستي ،وإن شاء الله سأجعل مدينتي مستقبلا، تعرف بمدينة النافورات بدل مدينة الحدائق والأزهار والمعامل والشركات والفنادق والملاعب والمنتزهات وشوارع بصحة جيدة لا ينخرها مرض الحفر الصغرى والكبرى وهلم جرا ” وصداع الراس..!”أدخلت يدها في جيبها بعدما تحولت النافورة تلك إلى كائن أسطوري -خرافي- سوريالي أرعبني ودفعتني مياهها بكل قوة، أسقطتني أرضا ولم أستيقظ إلا ورهط من المارة يحملقون في وجهي..!
- حاولت أن أستوعب الموقف..!؟
- و ما وقع لي..!؟
- وكيف أنا هنا بهذا المكان بالضبط.!
- لكن الجواب جاء من أحد الواقفين وهو ينهاني عن هكذا أمر خطير؛ حيرني..!
- قال لي : “آش ذاك أصاحبي لنافورة راها فقيرة..!!”
“راه باين غضبتيها علاش رماتك هاذ الرمية..!!”
“ونوض تهز؛ و سير فحالك .أوقيل عليك النافورات راهم مسكونات..!!”
- وبالكاد وقفت..!
- و أنا ألمم كياني لكي أتمم المسير في أي اتجاه هاربا من تلك النافورة الملعونة.. وألعن الشيطان الرجيم الذي ما فتيء يأخذني بهمزه ونفخه ونفثه وهمسه للأماكن التي يسكنها بالطبع..!!

Share this content: