
عين على الشارع من خلف الواجهة..
جالس ببهو مقهى أحمل في يدي كتابا فكريا جديدا..للمفكر المغربي الغني عن التعريف يحيى اليحياوي،والتصاق فكره بحاضرنا الثقافي والعلمي والتكنولوجي في عز الثورة الرقمية عولمة الكون « العولمة الموعودة » قضايا إشكالية في العولمة والشوق والتكنولوجيا ،وعلى طاولتي كما ترى كأس قهوة الصباح بلونه الأسود،والتي تسحر أعين أي عاشق لملامسة الكتاب عبر طقوس خاصة بعالم القراءة والكتابة ،وقلب الصفحات بتمحيص وتأن في الفهم العميق للمضامين والمعاني المقصودة من العبارات، ونظرة الكاتب للحياة والطبيعة والإنسان..وحينذاك نطلق عنان سمعنا لرنات الموسيقى الصامتة التي تسافر بأرواحنا هي الأخرى على بساط جناح الأمل في رؤى نوستالجيا دفء الحياة ..وتعيش لحظات هيام وعشق لعالم نطلبه كله تجسده لنا لغة الطبيعة عبر صورها المتناسقة من شدى العصافير وخرير الماء ..وبين تقاطع في قراءة فقرات النص ،والتفكير والتأمل .دون أن أدري ؛ أرفع رأسي خلف الزجاج الشفاف..وأسرح بعيدا حيث تجذبني لحظات سكون وخلجات روحية أتحسسها بدفء باطني..وعيني على الشارع من خلف الواجهة..وفجأة يعيدني ذاك الطفل الصغير الذي بالكاد يستطيع المشي، لعالمي البعيد ..لما كنت لا أعرف من الحياة إلا المدرسة واللعب، والبحث لي عن زاد وطعام بدوي ؛من خبز حافي، لما يشتد بي الجوع..هو ذاك الطفل البرئ الذي نحمله في جوانحنا لن يكبر أبدا..وقد يكون أفلاطون على حق لما عرف عبر العقل بأن الروح أبدية ووجدت قبل الجسد بطريقة فلسفية محضة ..مر ذاك الطفل الصغير،وصرت أتخيلته أنا هو باللاشعور الباطني- ذاك الطفل الصغير- بالبادية أبحث عن عالمي الذي أجهله..تألمت له في تلك الصورة المؤلمة والمؤثرة،وهو يحمل محفظة تكبره على ظهره.. وبالكاد يستطيع أن يمشي رافعا رأسه للأعلى..قلت مع نفسي ما قاله البيداغوجيون المغاربة الذين لهم غيرة على أجيال هذا المغرب الذي نعشق ترابه بحب..لربما ؛إن هذا الطفل ؛ قد يحتاج لعربة كي تحمل له محفظته الوازنة للمدرسة.وللأسف ستكون لذلك عواقب وخيمة على ناشئتنا، لأنهم ما زالوا في فترات نمو أولية،يشبهون العجين الطري، مما سيعطينا جيلا من القامات القصيرة.هذا إضافة إلى انتقامنا الثاني من هؤلاء الأطفال بسفرهم اليومي قبل طلوع الشمس وعودتهم لبيوتهم إبان غروبها ،عبر تلك الساعة البيولوجية التي فرضت بقوة السياسة قهرا، دون أن يفكر ساستنا سوى فيما هو اقتصادي محض، ويتناسون ما هو كارثي على البيئة المجتمعية والأسرية، في غياب الرؤية المستقبلية الاستراتيجية بعيون مستبصرة لهذا المخلوق الضعيف البرئ-الطفل المغربي- الذي يبقى آمانة عظمى في رقاب من نفذ وصوت وقرر ..!!

Share this content: