
جلس إلى مكتبه..وبعد لحظة سكون مطبق؛ أقدم على إشعال جهاز حاسوبه الخاص،وهو يرى الشاشة وقد أضاءت ،لكنه لا يجد ما يدفعه للكتابة..لأن الجهل استشرى في النفوس والعقول،وصار من يضبط عقارب رمز المدينة” الساعة “خيالات لا ترى في الظلام.وأمسى الزمن تحكمه تيارات من أفكار بدون مبادئ ولا فلسفية برجماتية والحق لا يكون حقا إلا إذا كان في خدمة الخير،فالحقيقة هي كل ما يؤدي وظيفة ما في الواقع العملي كما مشى عليه وليام جيمس الفيلسوف الأمريكي من أصل إيرلندي ،والذي رباه أبوه على حرية التفكير،وقد تلقى تعليمه في العديد من الجامعات الأمريكية والأوروبية
في المقهى المذكورة -الصخور- كان يصادف يوم الأحد..والمقابلات الكروية المنتظرة في المشهد الأخير،وقد تم تغيير مشهد الكراسي صوب شاشة عريضة وكبيرة وضخمة،وفجأة يقف لتوه ظل شباب يصيح فرحا بتسجيل البارصا لهدف التعادل في الأنفاس الأخيرة من الشوط الأول..عشاق البارصا ها هنا تراهم قد تنفسوا الصعداء في ٱنتظار الشوط الثاني ومتابعة ملحمة من ملاحم الفريق الكتالوني الذي جعل منه اللاعب ميسي فريقه الأسطوري..وفي ٱنتظار دخول” يمين آمال” لعل الأمل يهبط معه من غيوم السماء عند نزوله إلى” التيران” في فوز ينتظرونه كنزول المطر عندنا بعد طول سنوات عجاف ..ويعود حينذاك لأنصاره الانتصار،حتى لا يقضون يومهم في كآبة وحزن وكمد وقلق وانكسار ..وهم ينتظرون أن ينفرد فريقهم الكتالوني الإسباني بالزعامة مؤقتا..
بعدها؛ تم تغيير القناة لمقابلة إنجليزية بطلها الأرسنال..وماهي إلا لحظات من المشاهدة حتى سجل الارسنال هدف الفوز.. ومباشرة وبشكل يثير الدهشة ،يقف شاب عريض المنكبين ،طويل القامة ، وهو يصفق للفريق الإنجليزي لوحده..وها هنا تذكرت نكتة قديمة عن تلميذ كسول في القسم “ذكي خارجه” وهو في حصة الاجتماعيات.. فلما بدأ الأستاذ يخوض غمار شرح درسه عن الموحدين والمرابطين وقال لتلاميذه:
- إن يوسف ابن تاشفين هو الذي أسس مدينة مراكش. رفع التلميذ الكسول “الذكي “أصبعه سائلا الأستاذ
- -هل قام بذلك لوحده يا أستاذ؟.
فاشتد بعدها غضب أستاذنا معتبرا ذلك حق من حقوقه الفكرية في طرحه للسؤال المبطن من حيث لا يدري ،في عالم الفلسفة اللاأدرية.. وتابع بعد ذلك درسه ولما قال: ويعقوب المنصور الذهبي هو الذي بنى صومعة حسان بالرباط.. يقوم نفس التلميذ عينه ويفاجئ أستاذنا الجميل برفع أصبعه للاستفسار مرة أخرى.. فأعطاه حقه في التعبير مرة ثانية..
- لكنه فاجأه بنفس السؤال فقال:
- -هل وحده يا أستاذ ؟؟
فاشتد غضبه وهاج وماج ثم طرده مباشرة خارج الفصل؛ ولن يؤذن له حتى يحضر ولي أمره..
وكذلك كان؛ لقد ذهب للبيت وأحضر والده في الحين..
وبعدها أخذ الأستاذ في شرح الوضعية لأبيه.. ولما انتهى قال الأب للأستاذ:
وهل طردته لوحده يا أستاذ..؟؟
لعلهم عائلة قد ورثوا لوحدهم الكلمة ،وأمست لفظا شائعا في خطاباتهم اليوم..!!
سجلت البارصا الهدف الثاني كما كان منتظرا بعد دخول أمين يامال..
وجهة من جهات الملعب.. عفوا من جهات مقهى الصخور وقد اهتزت فرحا بالهدف ..
لكن؛كسرت تلك الفرحة دخول البؤس لباحة المقهى المذكورة، في صورة البؤساء أو “البائسون بالفرنسية Les Misérables” وهي رواية للكاتب الكبير في زمنهم الأدبي فيكتور هوجو نشرت سنة 1862..صورة لرجل يقود مسنا بيده وقد وضع على خاصرته حزاما في شبه صورة لممثل مسرحي على خشبة البؤس بمدينة المفارقات.. وبالكاد تجده يتحرك بين الكراسي يطلب النوال”الصدقة” ويدعو بنبرة الإحسان بدون أن تسمع من أي جهة من يقول آمين..
وقلت حينذاك:هؤلاء العشاق للبارصا والريال لما نزل فريق مدينتهم الفوسفاطية لوصيكاOCK للهاوية وهو يشد مدينتهم من تلابيبها كي ترافقه للحافة في ظل سوء تدبير وتسيير شؤونها منذ ولايتين متتاليتين بين الميزان و المصباح فلا نور بدا في شوارعها ولا عدل في بناء مشاريعها ..مدينة سبق أن كتبت عنها بضعة كلمات
- لقد جاء بل حان موعد مجيء القطط..!!
- القط النباتي يقابل فأرا…!!!
وكلما أتيحت له الفرصة في يومه الجديد وهو يتمشى عبر أماكن مقفرة من مدينته الثرية ،تألم لحالها كٱمرأة أرملة بأيتام لا طعام لهم،ظل يحدق في نباتات صفراء بئيسة كما يحدق فلاح في نباتات ذابلة اقتلعها من حقله الذي أصابه الجفاف./.
أين الباب.. !؟ قلت له: أنا لا أدري ..وأين البيت الذي تنبعث منه الحياة !؟ قلت له:غير موجود على جغرافية العبث من أجل صناعة الملهاة..فكم نحتاج من قرن كي نبني مستقبلا على أرض فلاة..!؟ لا أدري…الذي أدريه أن البؤس يحضننا من ظل وخيالات تريد أن تعيش فلا تموت./.


Share this content: