
نص المغاربة./تلكم الرواية المغربية الرائعة جدا ؛ فلا تندم إذا ما أخذت من وقتك و أجندتك لقراءتها.
نبذة عن سيرة الروائي “عبد الكريم الجويطي ” في سطور :
ولد في سنة 1962 بمدينة بني ملال، كاتب وروائي ومترجم مغربي حاصل على جائزة المغرب للكتاب قد اشتغل أستاذا، تم مندوبا مديرا جهويا لوزارة الثقافة وهو حاليا مكلف بالدراسات في وزارة الثقافة بجهة تادلة..رواية
المغاربة سنة 2016..
القارئ حينما ينتهي من قراءة كتاب ما، فلا بد أنه يتساءل مع نفسه عن ماذا استفاده من خلال تلكم القراءة و التي قد تطول أو تقصر، حسب ظروف القراءة نفسها والطريقة والوقت المخصص لها ومكانة الكتاب عينه لديك في حياتك كشريك وصديق ومؤنس..ووسيلة أساسية ومركزية للمعرفة وتجديدها.
اليوم انتهيت من قراءة رواية “المغاربة” للكاتب المغربي الكبير عبد الكريم جويطي ، إذ أعتبرها رواية مغربية متميزة وفريدة من نوعها لاعتبارات فنية وأدبية ، ونسخة منها قد وصلتني عن طريق قريب وهو أستاذ جامعي كهدية مع بعض الكتب الأخرى ،و ظلت في انتظار دورها في يومها الموعود كي نعيش صحبتها لحظات لاتخلو من متعة في القراءة، وتبعا لما تخبئه بين صفحاتها من وقائع وأحداث وحكي.. و مواضيع شتى، عن واقعنا المجتمعي والثقافي والسياسي الذي صوره الكاتب عبد الفتاح جويطي، وهو يعالجه حينا أو ينقده نقدا بناء بطريقته الخاصة حينا آخر..
نعم ؛ حينما تبدأ في قراءة رواية ما ، قد تكون بمثابة مشاهد لمسلسل تلفزيوني ما .. قد تتشوق لمتابعة حلقاته الأسبوعية تبعا لجودته ومفجآته وعقده . ونستدل ها هنا بالمسلسل الرائع “قضية العمر” التي نال إعجاب عموم المغاربة .. وكذلك كان مع رواية عبد الكريم جويطي ..فكلما غصت في أغوارها العميقة كلما شدتك فصولها أكثر..
إنه روائي كبير وبثقافة زمان المتشعبة ،ويظهر لنا ذلك من خلال المواضيع المهمة التي أثارها في روايته سواء عن حياة المغرب كبلد، أو عن المغاربة كشعب له وجود وتاريخ ضارب في القدم ، وهو الذي ظل يعيش فوق جبل من التناقضات والمفارقات و التي لا حد لها..إذ أنه استطاع أن يكتب عن ذاك التاريخ القديم جدا، بفصوله التراجيدية لحكم القبائل وسطوتها وغطرستها وصراعاتها البينية التي لا تنتهي.. وعن السلطة ، وكأنه يكتب لنا سيناريو عن حروب قديمة بلغة الهمج في عالم التطاحن والعبودية وسلطة القتل المباح ، وقتل الإنسان لأخيه الإنسان ببرودة دم، وإبادته والسطو على خيراته و ممتلكاته في غياب سلطة العقل قبل سلطة القانون، والحق في العيش..!! وهو الذي يقول “إنه لا سبيل أبدا لاسترجاع ما عشناه إلا عبر مصفاة الذاكرة تنحل فيها الأحداث ويعاد نسجها وفق سياقات التذكر والنسيان”
وظل يسائل الماضي من تاريخ هذا الوطن عبر سرده لحكايات وأحداث من ذاك الزمان ، تجعلك تعيش معه أطباق فصولها الترتجيدية من سلطة للقبيلة وغطرسة الباشا في تمازج مع غطرسة الحاكم الفرنسي الجديد، ومعاناة الإنسان المغربي من قهر وظلم لا حد له..
وبلغة الأدب يكتب “
وكان يضع نصب عينيه ما سمع دوما عيسى بن عمر يردده: القبائل كفرخ النسر ينبغي دوما نزع ريشه وتقليم أظافره،وريش القبائل هو الخيل وأظافرها هي السلاح..وشنت القطط غارات على بعضها،وتعاركت بلا توقف،فالقصر صار بالنسبة لها مثل غنيمة حرب ينبغي الاستئثار بها، تفطرت قلوب ،وهي ترى ما يفعله الزمن بالمجد والسلطة والقوة،وشمتت قلوب أخرى، وهي تكتشف أن جبروت تلك البناية كان يقتات على ضعف وتخاذل وطمع الناس.النصر عابر،القوة عابرة،لا شئ يبقى سوى العطب.أسرة عاشت مثلما يعيش الناس ،ومثلما لا يعيش الناس ،وكان لها صبر حجر وإقدام نار ومكر ابن آوى..
كتب كل شئ وبحرية مطلقة وأعطي للقلم سلطته وللخيال اتساعه وللفكر قوته. وما ترك بابا إلا ولجه كي يعيد للماضي تواجده بيننا بمره وحنظله حتى ولو في صفة حلة لبوس أدبي وفني على الأقل، وهو الذي سمى الأشياء بمسمياتها وأعطى لكل مرحلة تاريخية ما تستحقه من اهتمام وبتدرج وبلمسة فنية رائعة جدا ، لكاتب له من القدرة على ترتيب أغراضه وأدوات اشتغاله، وهو الأعمى الذي استدل بقوله عن الفيلسوف ديدرو في رسالته عن العميان بأنهم أصدقاء الترتيب..
وهو المثقف الذي له قناعاته وتوجهاته الفكرية والسياسية، ويرى في مثقف زمانه، من يعمل على ثلاث مستويات : العمل السياسي والعمل الصحافي والعمل في مجال التعليم.
ويصور لنا السلطة وعوالمها بأنها” أنانية جدا وغيورة جدا وحقودة جدا ولا تقتسم مع أحد.وكل عهد يريد في قرارة نفسه أن يبدأ التاريخ معه..
ولا نحكم الناس بالسلاح نحكمهم بالخبر،الأخبار عدة الحكم شريطة معرفة قراءتها واستعمالها.. وليس في واقع لن يقبل المخزن أبدا فيه بأن تلوى يده .
في حين أعطى تلك الصورة السريالية عن شعب وطنه و كتب بأسلوب عميق لا يخلو من دلالة من واقعه الملموس :
“نحن المغاربة نخاف النهايات ، و نتلافى حدوثها بكل ما أوتينا من قوة، وحتى إذا مات شئ بقينا متشبثين فيه،نسنده، نتعامى عن كونه انتهى منذ زمن طويل..
وكان للفكر الفلسفي اليوناني تواجده بين سطور روايته من خلال قصة أهل الكهف “
-أهل الكهف الذين كانوا مقيدين بالأغلال ،أرجلهم وأعناقهم ، وهم في مواجهة جدار وخلفهم نار متأججة ،فلا يرون من أنفسهم ومن جيرانهم غير الظلال التي تلقيها النار على الجدارالمواجه لهم،وإن أطلق سراح أحدهم وعانى آلاما حادة وضايقه الوهج، فسينبهر إلى الحد الذي يعجز فيه عن رؤية الأشياء ،فما كان يراه من قبل وهم باطل،ولو عاد الرجل إلى أصحابه وأخبرهم بما رأى سيسخرون منه وأنه لم يصعد لفوق إلا ليفسد عليهم أبصارهم وحياتهم..
كما كان للسياسة العمومية حضورها وهو يشرح واقع أحزاب مغربية تعيش ما تعيشه عيش اللوبيات تتقاسم الغنائم و الكعكة بأسماء شتى ومنها تدبيرهم للشأن المحلي :
“الانطباعات عن المدن كالانطباعات عن النساء تكون دوما غير موفقة..وهو لايعرف أن لوبيات العقار تطارد آخر أشجارها وطيورها،وأنها صارت تشكل الأغلبية والمعارضة في المجلس البلدي،وحين تتخاصم ظاهريا وتنشر البيانات ضد بعضها يكون سبب الخلاف الحقيقي هو تصميم التجزئة،أو عدد طبقات عمارة ،أو عرض طريق ..الكل فرح في النهاية لأن نصيبه سيصله كاملا .قريبا سيستفيق الناس على أن تلك المدينة الغارقة وسط غابات الزيتون صارت ذكرى مريرة فقط.
– تتذرع الإدارة بالعنصر البشري المؤهل، وحين يوجد تتذرع بالوسائل ،وحين تتوفر تتذرع بغياب المحفزات ، وحين تعطاها تتذرع بأنها منكبة على الأولويات والدراسات التقنية،هناك متاهة جبارة من البيروقراطية التي تتقن التظاهر بأن العجلة تتقدم،بينما لاشئ يتقدم إلا الفساد والتحايل.للأسف،نحن جزء من ذلك ولا نستطيع أن نواجه سيلا عاتيا.
وظلت رياح الألم والأحزان تهب وتقلع كل شئ مدفون في دواخله ليرمي بها عبر فضاءات شاسعة وهو بطل الرواية ،عاشور الصغير الأعمى والعاشق لعوالم الكتب والذي يعيش كل الكوابيس والفواجع وسط عائلة جد عادية مع أخيه العسكري المتقاعد بعد رباط طويل بالصحراء المغربية وهو شبيه “
كطائر جريح يمضي إلى مكان منزو وينزف و يتفجع على مهل” وهو يعيش قصة عشق وهيام أقرب للأسطورة منها للواقع “الحب هو أهم حكاية يعيشها الإنسان في حياته.كل الأشياء الأخرى النجاح، المال، الجاه،الحظوة حتى الحرب أمور تافهة.أهم ما يقع لنا في حياتنا يحدث حين نحب ونتعذب..”

Share this content:






