

وبعدما أنهينا فصول الرواية المغربية للأديب ياسين عدنان «هوت ماروك» وقد قضينا مع فصولها شهورا لحجمها الكبير،و لنا اليوم قراءة أدبية وفنية خاصة لها، كي نحيطها من جوانب خفية،ربما لم تنل حظها في الاستكشاف والقراءة من اليسار إلى اليمين والإنصات للنص عن قرب وعن بعد كما عبر عن ذلك عبد الفتاح كيليطو. وعن طريق تضارب الأفكار من طرف الأقلام النقدية تتجلى الحقائق المفقودة للنص.و هذا النص الذي يعكس زمن الكتابة الواقعي، والذي نراه قد لبس ثوب عصره الإلكتروني عبر عالم الأنترنيت في زمن جديد نعيشه في ثورة معلوماتية جارفة،و الذي أعطاها صبغة الرواية الرقمية لأحداثها ومشاهدها وصورها من عالم السيبير الذي يشرف عليه رحال العوينة بطلها الأمجد أو السنجاب كما صوره الكاتب عينه..!!
الرواية اليوم؛ أمست مرآة لشعوب العالم. فعبرها يمكن أن نعبر مسافات طويلة عبرالمعمورة ،وللنصوص متعة مرجوة لكل ممتهن للقراءة العالمة، وهي تسهل عليه بأن يسافر عبر القارات الخمس.وبطريقة فلسفية وفكرية يتعرف على شعوب العالم عبر عاداتها و طقوسها، وأعراف عن حياتها ، ومن خلال النصوص كذلك تتسيد الكلمة والعبارة والفصل والمشهد عبر عناوين كبيرة لأقلام عالمية إذ يتم ترجمتها لألسن عديدة..!!
واليوم؛بين أيدينا نص روائي مغربي تحت عنوان “هوت ماروك” للكاتب المغربي المعروف عبر برنامجه الثقافي ” عدنان ياسين” الرجل الذي تسكنه مدينة البهجة “مراكش” وهو اليوم استطاع أن يتلمسها عبر روحه؛ كي يكشف للقارئ ذلك الإحساس الدفين ، الذي يحمله بين جوانحه لعمر طويل،وعبر ظلال ثقافية عاشها ويعيشها كواقع جغرافي وتاريخي، رسمه بهندسة الكبار في تصميم أدبي وفني لنصه الكبير “هوت ماروك”،ولعل ما وجدناه في نصه من ثقافة عامة ومتنوعة اكتسبها في مشوار حياته،وهو المعروف في عالم الثقافة المغربية الحالية بأنه شخص يمتهن وظيفة القراءة بشكل كبير منذ صغره ،مما انعكس ذلك كله على نصه هوت ماروك ..
وقد يكتب الأجنبي عن مدينة مراكش ،بنظرة خارجية كالنوبلي الألماني إلياس كانيتي(1905 – 1994) في كتابه الرِّحلي المشهور «أصوات مراكش» (1968)، والكاتب الإسباني خوان غاوتي سولو (1931) الذي عاش هنا ولا يزال، وعنها وضع روايته «مقبرة» (1980)./منقول
وإذا ما حاولنا أن نعطي الصورة الأدبية والفنية والجمالية من داخل النص نفسه والتي نطلبه كقراء عبر عالم التناص. وعبر اختيارات الكاتب في كل العناصر الأساسية المكونة لهذا النص ،فقد استوطن خياله وفكره في مراكش السياسية والسياحية والرمزية والثقافية..وظل اهتمامه الكبير بالشخصية؛ الذي سوف يعطي للقاريء انطباعا بأن الكاتب نقل اهتمامه من ما ألفه من اهتمام بالشخصية وأدوارها الفكرية والفلسفية والاجتماعية في نصوصه القصيرة سابقا، كي يخوض معركته الكبرى والجديدة بأسلحة أدبية من الجيل الجديد، وقد ابتكرها وأبدع فيها أي إبداع ، كي يكبر في ساحة عالم التناص مع نصه الجديد“هوت ماروك ” لكن ظلال النص القصير ظلت ترافقه لمساحات زمنية، وهو يبحر بشكل عميق في بحر النص الطويل، الذي يتطلب من الكاتب المتميز؛ الصبر والنفس الطويل.ومما سهل عليه أن يتوسع بشكل مستفيض في مرافقة لعرمرم من الشخصيات التي اختار لها أسماء حسب الأدوارالتي ستلعبها في تأثيث هذا النص.فمن المشاكل التي يجابهها الكاتب إبان بنائه للنص الروائي وبعد وضع نموذجه الهندسي المصغر.لا بد من هؤلاء الذين يختارهم المخرج للتشيد والبناء الفعلي للنص على وجه البياض .ولعل الناقد المصري أحمد الضبع كان محقا لما اعتبر أن الرواية المعاصرة والحديثة تكون قد تشبعت بأفكار السينما وعوالمها، وواكبت بالفعل تطورها بشكل من الأشكال،وكذلك استفادتها من الفلسفة المعاصرة في الحداثة وما بعدها، بحيث ليس هناك مركزية في شخصية البطل،فلابد من مشاركة الكل في البناء الدرامي والملحمي للنص.وذاك ما احتله رحال العوينة “السنجاب ” في هذا النص الذي جعل منه الكاتب الشخصية المحورية، وكأن النص لم يأت من فراغ.. وما دمنا نعتبر بأن أي نص كيفما كان، فهو امتداد لنص ما قبله..إذ لا وجود لنص بكر حسب ميخائيل باختين ،وكل كتابة تحمل ظل الكاتب عينه، وحينما نسلك المسار الذي نهجه الكاتب- عدنان ياسين- في كتابه“هوت ماروك ” فقد جعل من ظل رحال العوينة صورة للشخصية المغربية الشعبية الذي يخرج للحياة ويعيش كل الأخطار ويتحداها ليكون في عالم المتناقضات في الواقع المعيش المغربية التي تكبر في الهوامش وتخترق كل المتناقضات ،وتمسي شخصية مهما كبرت في عيون المجتمع جملة من النقص والعقد تحتاج لأكثر من جلسات نفسية كي تعالج من تشوهات أخلاقية ونفسية .ولعل بنمحمود في نصه الروائي “الحي الخطير” ما كان ليبدعه لولا ميوله الشعرية والواقع الشعبي الصعب الذي تجسده كتاباته ،وهو الذي ولد بدون إخوة، وكان لا بد عليه من أن يكتسب مخالب قطة البحر كي يصطاد السمكة الفضية..!!
والسؤال الذي يطرحه القارئ على كاتب النص “هوت ماروك” هو العلاقة الفلسفية والفكرية بين شخصية رحال العوينة كإنسان غامض ومكروه بطبائعه في كل جوانب حياته العامة والخاصة، وهو طفل يواجه المطبات. وهو طالب يتأرجح بين المد والجزر؛ كطالب جامعي، وكخريج يحول الزمن المغربي العام والمراكشي بالخصوص لكائن سيبراني يقبل على كل الأشياء المحرمة. ولعل الحفر في شخصية كهاته يجعل القارئ يمقته لأفعاله القبيحة والذميمة،و التي لا تمت للإنسان السوي بالشيء.وكأنني بالكاتب عدنان ياسين يكون قد كتب نصه في زمن وباء كورونا. وكان تحت تأثير هذا الوباء . مما جعل كل شخصياته تعيش تحت رحمة قلم الكاتب ،وانتشار العدوى لباقي شخصيات الرواية،و لم يأت ذلك من فراغ.وحين تريد أن تعطي تقييما لسلوكيات هذه الشخصيات المنتقاة في فصول هذا النص.قد تصبح مع مايسمى حشرات المجتمع كما صورها فريدريك نيتشه في كتابه هكذا تكلم زرادشت .فلا أحد منهم يعتبر بقيمه وأخلاقه الاجتماعية وتصرفاته ووجوده من الطبقة العادية اجتماعيا في علاقاتها مع الذات ومع المجتمع والآخر.. فهذه حسنية بن ميمون زوجة رحال التي سترافقه في رحلته الجامعية،وهي تعيش في واد من التقلبات والأسرار الخفية .وهذا اليزيد هو الآخر صحبة رابح يكتب عنه مايلي:
اليزيد كلب يعوزه الوفاء ،لم يتردد في إغلاق هاتفه المحمول قبل أن يخرج مكفهرا بعد العملية الرابعة.كان رابح يجرجر قدميه وراءه مقتولا من التعب .دون كيشوت غبي اختار بدل محاربة طواحين الهواء مصارعة الأكباش .وسانشو سيء الحظ يتبع معلما كسولا ،أنانيا، لا هو بالنبيل ولا بالمتعاون.
والجديد الغير منتظر في نص” هوت ماروك” كثرة الشخصيات التي شاركته نصه.ولكي تضع كل شخص في مكانه وتتعرف عليه،وعلى الأدوار المأكولة إليه في النص ،فلا بد للقارئ المتمرس من التركيز الكبير والتأني في قلب الصفحات،وأن لا يبتلعه السرد ويمسي ضحية للعبته الخفية، و تتخالط عليك الأسماء وكأنك تقرأ مائة عام من العزلة لـ غابرييل غارسيا ماركيز.كما أن التدقيق في التعريف بخبايا هذه الشخصيات أعطانا بعض المؤشرات على قوة تحكم الكاتب في سيرورة أحداث هذا النص، وتداخلها وتشابكها،وامتداد أحداثها في مسار طويل، وحضورها في فصول وغيابها في أخرى كوالد رحال العوينة الفقيه عبد السلام السرعوف أحد أبناء عبدة وأمه حليمة البجعة ..
وتبقى كل حال وفي أي زمان، الرواية تحكي ما تحكيه عن شعوب العالم عبر الكلمة في فصول مختارة ،ولا يمكن للروائي أن يكتب بشكل جيد إلا على وطنه والأرض التي نما وكبر فوقها، وتكلم لغتها ومارس مشاعرها وطقوسها وتربى بتربية ساكنتها. لذلك حينما يلج عالم القصة والرواية، فلا بد بأن يحكي ويسرد للقارئ عن ما جمعته ذاكرته الجماعية والزمانية والمكانية،ولا بد أن يقع في حب موطنه بجنون كي يبدع عن الأماكن والجغرافية التي ألفته وألفها،ويمسي صوتا من أصواتها.فهذا عبد الكريم الجويطي يبدع نصوصه بعيون ذاك الطفل الصغير الذي رباه جده على العيش في كنف عالم البادية بكل طقوسها وبعدها تجده وقد كبر بين بساتين وخضرة الجبال، وقد نبتت لديه في اللاشعور قبل أن تنبت في الواقع عبر عالم الأدب الإنساني وهو يبدع نص” المغاربة” وهو يشبه الروائي والشاعر الأرجنتيني الذي انتحر سنة 1944 روبيرتو آلتر الذي قال من لا تلهمه الحارة التي عاش فيها لن يلهمه أي مكان آخر في العالم ..!
ولنا سفر نوعي عبر هذا النص الروائي المغربي بامتياز”هوت ماروك”وبلباس وطقوس شعبية لكاتب يتكلم لغة البسطاء. وقد شرب من الثقافة الشعبية مما جعله لسان حال مجتمع الطبقة المهمشة والفقيرة، قبل أن يخطو بخطوات الشاب الطموح في التحصيل الأدبي والمعرفي وينال نصيبه الكافي من الثقافة العالمة ..!!
ففي نصه هذا حاول أن يخرج بالقارئ عن المألوف والروتيني في الكتابة الروائية، بحيث حاول أن يذهب بعيدا بخياله الشاعري لأشياء فيها شيء من الإبداع،ولمسة الكاتب الكبير الذي يعيش لحظة الكتابة بأسلوب ونمط جديد فيها نوعا من الغرابة، إذ ألبس شخصيات نصه أقنعة لحيوانات تبعا للأدوار التي ستصدر عنها .فمثلا البطل الرئيسي والمركزي في النص رحال لعوينة،ظهر في قناع السنجاب،وهو يحكي عنه عبر هذا المقطع :
-يمكن القول إن لديه ذاكرة مخبر لا ذاكرة مؤرخ أو جغرافي.لهذا حين عاد إلى الكلية بعد معركة إرجاع المطرودين الشهيرة قرر تغيير الشعبة نهائيا وتجريب حظه مع النحو والبلاغة والعروض والشعر والأدب والمناهج النقدية في شعبة الأدب العربي..
-في سجلات صاخبة ينافح خلالها عن قناعات شخصية..التقارب بين رحال و الرفيقين مراد والمختار كان في البداية طبيعيا،حيوانيا إن شئنا الدقة ،بسبب انتماء الثلاثة لجنس القوارض ، فمراد جربوع صحراوي أما المختار فجرد لا غبار عليه،ديوانه الأول “الفراشة في طريقها إلى المسلخ”
وأما زوجته حسنية بن ميمون ففي صورة وهيئة القنفذة. وأما أم رحال اختار لها من عالم الطيور صفة البجعة إذ يكتب عنها مايلي :
-“كانت حليمة بجعة حقيقية .فمها واسع وعريض .أما مرض الدرق الذي ظهرت أعراضه عليها مباشرة بعد الزواج ، فقد جعل غدتها الدرقية تتضخم لتأخذ شكل ورم في منطقة الرقبة تبدو معه كالحوصلة الكبيرة التي تحتفظ بها البجعة أسفل المنقار.
أما والده عبد السلام الفقيه السرعوف” فيقول عنه :
– عبد السلام بالمقابل كان سرعوفا بأوراقه الثبوتية .طويل ونحيل كالسرعوف”
- “هوت ماروك “هي رحلة عبور عبر الزمن التاريخي والشخصي والاجتماعي والسياسي للكاتب عدنان ياسين في صورة ثانية عن شعب مراكش في فئة مصغرة لها علاقات متشعبة ومتداخلة، وهي تحكي ما تحكيه بلسانها عن كل الظواهر الحياتية للإنسان المراكشي، وهو يعيش الفوضى في هكذا شوارع ومحلات بيع متنقلة في احتلال الملك العام ،وعن عالم لوبي العقار في زمن المغرب الجديد كأخطبوط، وهو يغار على أي مساحة أرضية يجني منها المليارات ،ولو كان ذلك على حساب الجانب الإيكولوجي للمدينة الحمراء:
– مراكش منهمكة في اغتيال الأشجار.المجزرة متواصلة ولا أحد يستنكر.احتلت الجرافات شارع الحسن الثاني وبدأت تجتث بطريقة عشوائية أشجار اللبخ الضخمة..!!
– لكن الخروج لم يعد متاحا بالسلاسة القديمة.هل تذكر الشارع الفسيح الذي كان هنا؟ أين الشارع يا رحال؟ كأن أحدهم طواه وخبأه في جيبه ومضى .من سحب الشارع من مكانه وأنبت هذا السوق؟ كأنها ساحة جامع الفنا.
رواية “هوت ماروك “كانت لسان حال عصرها الرقمي /الالكتروني/المعلومياتي. وقد أعطت عبر فصولها لكل موضوع حقه في سرد حكائي مسترسل عبر حلقات متناسقة،و يمكن للمغربي أن يعيشه في حياته اليومية، ويكون له فيه رأي الخاص انطلاقا من المدرسة العمومية، وصولا للجامعة في زمن الجمر والرصاص والصراع المرير حول السلطة بين النظام واليسار عبر ردحات وحلقات الجامعة ،ومعاناة الطلبة في زمن كان لايرحم أحد :
أوطم الاتحاد الوثني لطلبة المغرب
أنا يا رفيق ما ناويش نتخلى
على نضالية الجماهير الشعبية
وكلما زاد تسرب الهلع إلى القلوب علت الأصوات أكثر
لن نركع أبدا لن نركع
لن يرهبنا صوت المدفع
قتلوهم عدموهم
أولاد الشعب يخلفوهم
وكان للثورة الرقمية حضورها الضاغط والعهد الجديد والمصالحة وحكومة التناوب وظهور بعض الانفراج وبروز بوادر الطبقة المتوسطة والسكن الاقتصادي والقروض ودخول المجتمع المغربي عالم الاستهلاك من بابه الواسع ،
-مات الملك لكن الملوك لا يموتون لأكثر من بضع ساعات وبعدها يدخلون درس التاريخ ويرتقون مدارج الأسطورة.موت الملوك لا يدوم أكثر من سويعات..
حاول الكاتب أن يواكب الانفتاح الجديد والانفراج في السلطة الذي عرفه المغرب في سنة2000، بتحول بين في النظام الاجتماعي والثقافي والاقتصادي ،وبروز السبير والهاتف الذكي وبزوغ ثقافة جديدة جاء بها العالم الرقمي في العلاقة التواصلية بين الأفراد والجماعات. وتأثير كل ذلك حتى على الأحزاب السياسية والانتخابات، وما تعرفه من بهرجة وتزكيات وسلطان الجاه والشكارة في التدبير لمرحلة الانتخابات ..ولم يفت الكاتب ياسين عنان بأن يبدع هكذا سيناريوهات عبارة عن صراعات دونكوشوتية بين الأحزاب السياسية المغربية، ويحدث ذلك في وقت واحد . وهي الفترة التي يظهرون فيها ثم يختفي أثرهم من ساحة الواقع المجتمعي المغربي.وهذه الكائنات السياسية الهجينة أعطاها أسماء متميزة ، ولما هو معهود في واقعنا السياسي، كحزب الناقة وحزب الحلزون . وهويسميها هي الأخرى بأسماء من قاموس حديقة حيواناته الأليفة والداجنة…
-فرحال العوينة يعرف كل شيء عن رعايا مملكته السيبرنيتية السعيدة..إنهم فعلا في بيتهم وبين أحضان أسرتهم السعيدة هنا في هذه الآجام الافتراضية لسيبر (أشبال الأطلس)
-لكم سعدت بصحبتكم أيها الأعزاء في واحتنا الإلكترونية الزرقاء هذه،تقاسمت معكم الكثير من أفكاري وخواطري ،وغمرتموني بحبكم وفيض مشاعركم .لكنني أحس اليوم أنه آن الأوان لكي انسحب في هدوء.لدي اعتبارات خاصة جدا أفضل الاحتفاظ بها لنفسي .لكن ما كنت لإخوانكم فأنسحب قبل أن أشعركم بذلك ،وأعانقكم واحدا واحدا .فٱدنوا لي يا أحبابي في الانسحاب ،وأتمنى لكم حياة افتراضية سعيدة ولو أنها ستكون من دون صديقتكم هيام..!
ياسين عدنان كان موفقا إلى حد كبير،وذلك لما سطره من أفكار جديدة في نصه الجديد، وفيها نوعا من الحضور الميتافيزيقي والوجودي للإنسان المغربي عموما والمراكشي بالخصوص، وما أبدعه بلغة الأدب الإنساني، في هذا النص الروائي الذي يحكي لنا ما يحكيه بلسان شاعر وقارئ متميز عن مراكش المدينة القديمة والجديدة وعن التاريخ المغربي القديم والجديد ..ويكون شاهد عصره كيف تحول جغرافية المدينة من حال إلى حال وسلطان السياسة والاقتصاد والمال وعن اختلاط الأجناس وعن أصناف من البشر ،ولعل السيبير كمحطة رقمية حكت لنا عن أسرار تبقى من الطابوهات الالكترونية مع رحال العوينة. وهو يصول ويجول بحساب لهيام الوهمي مستغلا كل الطرق التي تمنحه المساحة الالكترونية من التواجد الرقمي بأقنعة ابن الشعب وهو يصوغ تدويناته وتعليقاته، واشتغاله مع أي جهة تطلب خدمته رغم انطوائه وتضعضعه ككائن بشري سوي في مسار حياته..
وعندما تنتهي من قراءته لنص ” هوت ماروك ” لا بد من طرحك للسؤال عن الخطاب الذي يريد الكاتب إيصاله للقارئ في الزمن الرقمي /الافتراضي ؟؟
لعل ياسين عدنان اشتغل على هذا النص لزمن ليس بالقصير حتى يلبسه لباسه المغربي -المراكشي..والنص كيفما كان غرضه لا بد أن يكون جزء من كيان كاتبه وواقعه وذاكرته الجماعية الزمانية المكانية الثقافية السياسية.وذاك ما مشى عليه ياسين عدنان .فهو قال كل شيء حتى وهو يفتش في الغرف المظلمة مستعملا كل الأساليب بما فيه ما تتيحه لنا لغتنا العامية ،ودمجها في سياق الكلام بطريقة جميلة “آويلي ووعدي أنا ، آويلي وطليتواخضر،آويلي وعلى راجل ما تدخلي بوه حتى من الشتا”ومن حيث الأسلوب؛ الكاتب له باع طويل في مجال القراءة المكثفة والكتابة والثقافة اللغوية ، التي يحملها كإعلامي وشاعر جعلت منه قلما لا يتعثر ولا يكبو ، ويكتب العبارة والجملة بلغة ذات حمولة من ثقافة المقروء الذي يؤسس لكتابات أدبية وشعرية ذات جودة عالية .وما دامت القراءة والكتابة كلاهما تحتاج للأخرى كي تقويها وقومها ،والكتابة تعلمنا كيف نكون قراءا جيدين ونصحح أخطاءنا ونحن نقارن ما نكتبه مع أقلام كبيرة ..

Share this content: