
يرنُّ جرس الباب، فأسرع بفتحه.. الصبيَّة، ابنة الجيران تقف متسمّرة هناك.. عيناها تشعان بنظرات تطفح براءة، وتسيل عذوبة.. تتلعثم وهي تحاول الكلام.. يبدو أنها تفاجأت لرؤيتي.. أو هكذا بدا لي.. ولكن، أنا الذي تفاجأت!.. لقد جاءت تسأل عن حفيدي.. بصوت ملائكي تخبرني أنها تريده ليلهوا معاً…. الصبيُّ والصبيّة في نفس العمر.. تسع سنوات.. وقد تنقص قليلا، أو تزيد قليلا.. لا يهم.. المهم أنه انفلت من بين قدميّ كعفريت صغير.. لقد كان هناك خلفي يرهف السمع، وكأنه كان بانتظارها.. أمسكا بكفيّ بعضيهما، وانطلقا معا يركضان نحو الحديقة.. يكادان يطيران من الفرح كعصفورين جميلين…
بكفّي الصغيرة أنقر على الباب الحديدي المتآكل من الصدأ.. من ورائه أسمع وقع خطوات ثقيلة تقترب، ويصلني صدى صوت نسوي جهوري.. تنفرج دفة الباب، فتحدث صريرا.. ثم يظهر الوجه الكالح عابساً مقطباً.. ترتعد فرائصي، ويرتجف قلبي بين ضلوعي.. نحيل الجسم، رثّ الملابس، حافي القدمين أتسمّر أمامها مشدوها.. تسألني في غلظة عن مرادي.. بصوت مبحوح يكاد يختنق جزعا، أخبرها أني بانتظار الصبيّة لنلعب معاً ونرتع.. الصبيّة في مثل عمري.. تسع سنوات.. قد تنقص قليلا أو تزيد قليلا.. لا يهم.. المهم أننا أبناء جيران.. ألحظُ الصبيّة وراء أمها، وكأنها كانت بانتظاري.. تحاول التسلل من بين قدمي أمها، لكن عبثا حاولت.. تنهرها أمها بقوة، وتصرخ في وجهي أنا وهي تقسم أغلظ الأيمان متوعّدة إيّاي لَإنْ عدتُ أطرق بابها ثانية لتحطمنّ ساقيّ، ولتهشّمنّ عظام جمجمتي.. ثم يطرطق الباب في وجهي بعنف شديد.. ومن ورائه أسمع بكاء الصبيّة وعويلها المسترسل..
نورالدين بن صالح زرفاوي في14 غشت202

Share this content: