

أمسا، ولجت مقر مديرية الأمن الوطني قصد تجديد بطاقة هويتي الوطنية التي تخلد عيد ميلادها الأربعين..
قاعة الانتظار، على اتساعها، مكتظة بالوجوه والأنفس.. لم أكد أجد لي موطيء قدم، إلى أن قامت فتاة في عمر الزهور، وتركت لي مقعدها.. ربما كانت تلميذتي، أو لعل قلبها رق لشيبتي.. هكذا خمنت.. شكرتها بابتسامة لطيفة، وحييت نبل أخلاقها..
جلت ببصري في أرجاء القاعة الفسيحة..أستنطق المكان..أزن الحاضر بميزان الماضي القديم..أرضية نظيفة، ومكاتب من زجاج شفاف.. الحركة ذائبة في انسياب..موظفون وموظفات كلهم حيوية وشباب.. أناقة، وحسن خطاب..
فجأة،علا صوت غاضب..شاب يحتج على موظفة في جناح الاستقبال..لا أدري ما السبب،ولم أسع إلى معرفته..ثم رأيت رئيس المصلحة يهرع إلى عين المكان.. رأيته يربت على كتف الشاب، ويحاوره بلطف وود إلى أن سكت عنه الغضب..
احتجاج!!..ملاطفة،وود!!..وأين؟؟..في مركز الشرطة!!..
سريعا، عادت بي ذاكرتي أربعين سنة إلى الوراء.. حين وقفت في المكان ذاته، وأنا يومئذ فتى يافعا.. أريد استبدال تلكم البطاقة الرمادية الكئيبة.. كآبة المكان والزمان.. لا زجاج ولا شفافية.. فقط مكاتب مغلقة صماء.. قسوة واضطهاد.. موظف عبوس يتفحص شعري المنفوش طويلا.. يقبض على أصابع يدي بقوة وعنف..حتى ليكاد يكسرها..يغمسها،الأصبع تلو الأصبع، في مداد أسود..كل أصبع بشتيمة،وتهكم، وازدراء .. لا لذنب اقترفته، سوى أنني تلميذ..محسوب على زمرة أولئك الشياطين الأوغاد..مثيري الفوضى والشغب.. مدمني العنف والتخريب..يا له من موظف جلف!!…
نورالدين بن صالح الزرفاوي الرباط، 08/05/2025
Share this content: