
الحياة عبثية، إنها لا تبالي بما تحمله وتنجزه، فهي مستمرة بدون شك. يوجد طريقان للتعايش مع هذا العبث: إمّا أن تصبح عبثيًا، غير مهتم لأي شيء كان أو سيكون، أو أن تصبح شخصًا عاديًا تعِيسًا يتبخر في الهواء مثل دخان سيجارة. – ألبير كامو1

في هذا اليوم؛ هممت بالدخول للوكالة البنكية الأولي كي أقوم بعملية الدفع في حِسَابٍ شخصي،وبالصدفة وجدت شابة متسمرة أمام الباب في حالة انتظار..وكان حضوري ذاك في وقت الزوال ، ولعل الموظف الآن في طريقه لتناول أكلة سريعة، تجعله واقفا حتى يتمم مهامه المنوطة به في مكتبه..!
-وفي ذاك الحين أردت أن أدفع الباب..!
-وبسرعة رمقت مكان الموظف فارغا، وتنبهت..!
– فسألت الشابة الواقفة:
– هل تنتظرين يا ٱبنتي دورك..!؟؛
– لكنها سرعان ما أسرعت في الإجابة.. المكلف خرج لتوه من الوكالة، ولن يعود إلا بعد نصف ساعة من الآن..!
-ولضعف سمعي أعدت أكرر عليها القول إلا بعد نصف نهار ..!
قهقهت بصوت، ثم ٱبتسمت ضاحكة، لكنها سرعان ما فهمت..!
ولعلها فرصة أتيحت لها كي تكسر رتابة الانتظار الممل.وفي مكان يكون فيه الجسم عرضة لأشعة شمس الصيف وأضرارها،وفي غياب أي شئ يحميها فوق رأسها أو مكان ظليل جهزوه لهؤلاء الزبائن في مثل هذه الحالات ..!
-المهم لدي حساباتي ..!
– قد تكون خاطئة مرة، ومربحة أخرى ..!
– وتركتها تصارع وتنتظر ..
– وأخذت سيارتي صوب” اجونس” ثانية(وكالة بنكية ..)
– دفعت الباب الثقيل، للوكالة الغاصة على آخرها بالزبائن على ٱختلاف أجناسهم..طلبت التذكرة.. قرأت رقمها: 147، أقفلت الباب خلفي، وودعت صوب” أجونس” ثالثة، طويت الطريق طيا بسرعة البرق..أدلفت بجسد المعرق وأنا الشيخ التعبان .
-قرأت ما كتب على خانات التذاكر، بصمت على الكشك الخاص بالدفع..
-قرأت التذكرة 31 وأمامك 10 قلت: لابأس..
-أخرجت سبحتي وتهت أذكر الله وأسبح للرحمان، وظلت عيناي كأي كاتب مولوع يتفحص الوجوه والصور والجدران وأجزاء الأجزاء..!
– كانت ذاكرتي تجمع كل شئ..!
– وأنا الذي أجول وأصول بعقلي قبل قلمي، لأجمع عشاء في آخر النهار من طبق شهي من الأحداث والقصص والمفاجآت،كنت أتلصص الأشخاص الذين يتواجدون بالقرب مني..هناك أرقام يتجاوزها العداد بسرعة 23.24.25.26.27.أصحابها كلهم قد غادروا وبدون رجعة ..ثم بعدها نهض صاحب الرقم 28 و.. بعدها أسرع رجل تصاحبه ٱبنته الصغيرة برقم 29 ..
– وفي هذه الأثناء خرج الحارس قاصدا الباب،لكنه في الحقيقة قصدني أنا لشخصي ، وهو يرشدني بالعامية ولم أفهم منه أي شئ ..!
قال بصوت مسموع.وكأنه تنبيه عاجل:
– الله يرحم الوالدين دير لكمامة..!
– ثم تلمست وجهي فوجدتها حاضرة فوق وجهي ..!
– ولم أفهم أي شئ يذكر..!
– ثم نظرت للموظفين المتواجدين داخل”لاجونس “فأكثرهم لا كمامة تذكر على وجوههم..!
– وأنا على حالي ، جالس أفكر فيما قاله لي العساس ..!
– وما كان يقصده..!؟!
– وكيف يأتي عندي لوحدي، قبل خروجه من الوكالة ..؟!
– وٱنتظرته حتى عاد وهو يحمل سندويشه الحرفي الذي يسد به رمقه حتى يعود لبيته..!
لكنه سرعان ما ٱختفى عن الأنظار لتناول وجبته..وفي الوقت نفسه وصل الرقم 30 فدفعت النقود في الحساب وٱنصرفت ..!
– وظل تصرف الحارس شبه غريب معي لوحدي داخل تلك الوكالة البنكية..!
-وقلت مع نفسي لعله كان في حلم أو أن السيد يحتاج لإتمام ساعات نومه، أو هو تصرف مغربي مائة في المائة حينما نريد أن نظهر للآخرين بأننا دايرين خدمتنا..!
– وحينها تذكرت ما قاله الراحل “محمد زفزاف” في حديث له مع الإعلامية حينذاك فاطمة التواتي في برنامج ثقافي بالإثم( الأولى اليوم )،أن كل شخص منا قد تقع له عدة قصص يومية، فلا يحتاج إلا لوسائل التعبير والكتابة كي يخرجها لحيز الواقع/...


Share this content: